أزمة غذاء عالمية؟

0 212

د. لويس حبيقة

من أسوأ نتائج الحرب الروسية على أوكرانيا امتداد أزمة غذاء جدية الى كل العالم، في مقدمها مواطنو الدول الناشئة والنامية.
حجم روسيا وأوكرانيا في التجارة العالمية لا يتعدى 2,2 في المئة، لكن أهميتهما تعود الى تصديرها سلعا أساسية، أهمها الحبوب والنفط والغاز والسماد، ولا بديل سريعا متوافرا لها يعوض النقص مما يسبب ارتفاع الأسعار.
وفق الاحصاءات تشكل روسيا وأوكرانيا 30% من أسواق القمح العالمية، 17% من الذرة وأكثر من 50% من زيت عباد الشمس.
تستورد دول الاتحاد الاوروبي 25% من حاجاتها من الذرة والزيوت النباتية من أوكرانيا، وكذلك 50%. وتكمن المشكلة، صعوبة نقلها داخليا، وتصديرها الى الخارج.
من ناحية الصادرات الروسية، تكمن المشكلة في النقل، فأهم الشركات العالمية أوقفت الشحن من والى روسيا تجاوبا مع العقوبات الغربية. روسيا عمليا محاصرة اقتصاديا، لكن امكاناتها في تجنب العقوبات تبقى موجودة.
هناك دول تتأثر أكثر من غيرها بتوافر الحبوب والنفط بسبب أوضاعها الطبيعية والمادية، منها السودان وأفغانستان، بالاضافة الى مصر التي تعتبر أكبر مستورد للقمح عالميا.
خلال 30 سنة أصبحت روسيا وأوكرانيا مصدر أساسي للحبوب لمنغوليا وسريلانكا ولبنان ومالاوي وناميبيا وتانزانيا وغيرها. هذه الدول تكفيها مشكلاتها وحاجاتها العادية المزمنة، فاتت الحرب لتؤثر بقوة على توافر الحبوب لديها.
قبل الحرب كان هناك 811 مليون انسان لا يتوفر لهم الغذاء الكافي، ويرتفع هذا العدد اليوم بسبب الحرب وأوضاع الطقس، والفياضانات والجفاف القاتل التي ساهمت بأزمة الغذاء.
يشير البنك الدولي ان ارتفاع معدل أسعار الغذاء 1% يدخل عالميا 10 ملايين شخص اضافيين الفقر الشديد، وهذا يؤثر سلبا على السلم الاجتماعي في الدول الناشئة، وخصوصا النامية.
قبل الحرب وحتى اليوم، بالاضافة الى مشكلة الغذاء، تعاني الدول النامية والناشئة من تحديات عدة أهمها أسعار النفط، التي تؤثر سلبا على التضخم وتكلفة انتاج السلع.
عانت الدول من “كورونا” الذي ما زال ينتشر بحيث لم تعد الأوضاع الانتاجية الى ما كانت عليه عام 2019، فالجائحة غيرت العلاقات الانتاجية، وطرق العمل.
أما الغطاء الاجتماعي الآمن فلم يكن موجودا قبل الحرب، وأصبح مكشوفا أكثر اليوم بسبب شح التمويل، وغياب السياسات الاجتماعية في أكثرية الدول التي تعاني أيضا من عاملين مهمين، تدهور عملاتها الوطنية، وترشيد الانفاق بسبب عجز الموازنات، ما ينتج عنه من أزمة ديون عامة ثقيلة،خصوصا خارجية.
هذه الديون تصبح أثقل على الموازنات يوما بعد يوم بسبب ارتفاع الفوائد، التي قررتها مصارف مركزية الأساسية لمحاربة التضخم.
وتتوقع معظم مؤسسات الدراسات أن تستمر أسعار الغذاء مرتفعة أقله في 2022، ليس فقط بسبب العرض الحالي، انما نتيجة القلق العالمي تجاه استمرار الامدادات مستقبلا جراء الحرب، ولعدم توافر سلاسل الامداد.
لا شك أن هناك دورا كبيرا في تعويض الانتاج المفقود يجب أن تعمل عليه دول أخرى، أهمها الهند والأرجنتين والولايات المتحدة.
ما الذي يمكن فعله عالميا لتجنب أزمة غذاء حادة كما يتوقعها بعض المؤسسات العالمية؟
ترتكز الجهود على عامل العرض، ومحاولة خفض الأسعار عبر الدعم المالي العالمي المباشر، ونذكر هنا أن البنك الدولي قدم في السنتين الماضيتين دعما للزراعة والحماية الاجتماعية قدر بـ 17 مليار دولار سنويا.
أولا: من المنتظر أن تقدم بعض الدول الغنية المساعدة المالية والمادية المباشرة للدول الفقيرة لكن تكمن المشكلة بان أوضاع الدول الغنية نفسها غير مريحة، وبالتالي قدرتها على المساعدة أقل من الماضي. فالولايات المتحدة تعاني، مثلا، من التضخم، وبالتالي يرفع المصرف المركزي الفوائد لتجنب الأسوأ، أما أوروبا فمشكلاتها لا تعد ولا تحصى.
ثانيا: توفير الدعم المالي المباشر لـ”برنامج الغذاء العالمي” الذي يعمل في 117 دولة، ويقدم مساعدات لنحو 100 مليون مواطن، والبرنامج يحصل على 50% من القمح من أوكرانيا، وبالتالي يجب توفير مصادر أخرى سريعا.
ثالثا: بسبب الأزمة الحالية وعدم توفر السلع الغذائية، هناك دول تمنع تصدير انتاجها للمحافظة عليه، هذا التصرف مضر عالميا، وهناك دور كبير للمؤسسات الدولية في الضغط للتخفيف منه، فلقد اعلن البنك الدولي أن 40% من ارتفاع الأسعار خلال أزمة 2010/ 2011 كانت من منع الصادرات.
رابعا: دور المؤسسات الدولية كبير في التنسيق بين المنتجين والمصدرين بحيث يتوزع الانتاج على الدول، أي يجب أن تتدخل في الأسواق لتوجيه الانتاج، وهذا مقبول في ظروف خطيرة كالتي نعيشها.
خامسا: لا بد من الدعم المباشر في الدول المتأثرة للمستهلكين، والمزارعين. ويجب التحضير لبرامج انتاج غذاء أكثر فاعلية بحيث لا نقع مجددا في مشكلة انتاج وتوزيع كما يحصل اليوم، نظام غذاء عالمي حديث يعتمد أقل على المياه والأدوية والسماد بسبب عدم توافرها، والتكلفة الباهظة.
هذا لن يحدث من دون رعاية مباشرة من منظمة التجارة العالمية، ومنظمة الأغذية والزراعة.

خبير اقتصادي لبناني

You might also like