أمتنا وانفصام الشخصية المجتمعي
حسين عبدالقادر المؤيد
انفصام الشخصية، مرض نفسي يصاب به بعض الناس، فيضطرب تفكيرهم وسلوكهم. والطب النفسي هو الذي يعنى بهذا المرض تشخيصا و علاجا.
وانفصام الشخصية مرض اجتماعي، قد يصاب به مجتمع، فيضطرب تفكيره و سلوكه، وقد يعجز عن الأداء الإيجابي المنتظم. وعلم الإجتماع هو الذي يجب أن يعنى بهذه الظاهرة.
إن من يمعن النظر في حال الأمة، يجد أنها مصابة بهذا المرض الإجتماعي، وهو السبب في عجزها عن تجاوز سلبيات واقعها، و عجزها عن انطلاقتها نحو التقدم كأمة يجب أن يكون لها دورها الرئيس في المجتمع البشري وعلى الساحة الدولية.
إن لانفصام الشخصية المجتمعي أسبابا عدة، منها وقوع المجتمع في دوامةِ جدليةٍ لم ينجح في إيجاد المخرج الصحيح منها، فيصاب بالإنفصام. و هذا بالتحديد ما تعاني منه أمتنا.
حين ندرس حال الأمة، نجد أنها عبارة عن مجتمعات، جمعها إطار آيديولوجي- ثقافي أضفى عليها شخصية اجتماعية بين الأمم، وغالب هذه المجتمعات، تعيش على خلفية تراكمات تاريخية من التراث خارج الإطار الآيديولوجي- الثقافي وداخله، فالمجتمع العراقي مثلا، له امتداد تاريخي ضارب في القدم، لا تزال بصماته مطبوعة على شخصيته، وليس من السهل أن ينفصل وعيه عن ذلك الإمتداد التاريخي من التراث، منذ انطلاق الحضارة في وادي الرافدين، وهو في شخصيته الإجتماعية ينتمي الى قيم متوارثة، والى ثقافة دينية شمولية وملزِمة، ويعيش الواقع العالمي المطبوع بالحضارة الغربية ومعطياتها ومنتجاتها، ويجد نفسه في عربة تحركها عجلات هذه الحضارة في شبه جبرية قاهرة، وهذه الجبرية خليط بين ما هو مرغوب وما هو مفروض.
كل تلكم العناصر، تشكل جدلية قوية لم يتبلور مخرج عملي مقبول منها، وهذه حال مجتمعات أخرى في أمتنا أيضا، وحتى بعض المجتمعات التي ليس لها ماض تاريخي خارج الإطار الآيديولوجي- الثقافي، أو ليس لها انشداد مؤثر لذلك الماضي، فإنها تعيش جدلية قوية بين نمط تفرضه شخصيتها الإجتماعية المتشكلة من مضمون ذلك الإطار الآيديولوجي- الثقافي، ونمط يفرضه الواقع العالمي الذي تحرك عجلاته حياة الناس.
إن الإنقسام الذي تعاني منه مجتمعاتنا حول كيفية التعاطي مع التراث ومع المضمون الآيديولوجي- الثقافي من جهة، وبين النمط الموجود في الواقع العالمي، قد عمّق المشكلة و زاد في تعقيدها.
لم ينجح “التراثيون” بالمعنى الشامل للدين، في تقديم رؤية للخروج من الجدلية قادرة على إقناع الغالبية بها ، وقادرة على تطبيقها ، و لم ينجح “الحداثيون” أيضا في تقديم رؤية للخروج من الجدلية قادرة على إقناع الغالبية بها، لا سيما أن كلا من التراثيين والحداثيين لم يسلموا من الإنقسام الحاصل في كل كتلة من الكتلتين.
أعتقد أن الأمة ستبقى ردحا من الزمن في دوامة تلك الجدلية، وبالتالي ستبقى في حالة انفصام الشخصية، الأمر الذي يعني استمرار الإضطراب والعجز، مع تذبذب في الخط البياني صعودا ونزولا وفق تراخي قوة الجدلية في بعض الأحايين سواء لصالح التراث تارة أو لصالح الحداثة تارة أخرى في توفيقية هشة أو حسم هش.
في الغرب، انما استطاعت المجتمعات الغربية تحقيق حضارة فرضت نفسها على الواقع العالمي بعد انطلاق النهضة الأوروبية الحديثة، لأنها كانت سليمة من انفصام الشخصية المجتمعي، فلم يقعدها العجز.
مفكر وسياسي عراقي