أميركا ودورها الجديد
د. لويس حبيقة
هناك تطورات جديدة تغير الأوضاع في المنطقة، وتترك أثارها العميقة في كل الدول، ومن بينها لبنان حيث ترسيم الحدود البحرية مع اسرائيل ليس أمرا عاديا. ومن بينها أيضا سورية حيث دمرت الحرب المستمرة بشكل أو آخر منذ 2011 معظم خيراتها ومواردها المادية، كما الروحية والمعنوية والبشرية.
الجبهات تتغير والمشاركون يتغيرون، لكن الصراع يبقى قائما، والمواطن السوري لا يبني مستقبله، بل هناك ملايين اللاجئين الذي يعيشون في دول الجوار، أي الأردن ولبنان وتركيا، وهناك وقائع تغير وجه المنطقة منذ وصول الرئيس الاميركي جو بايدن الى الحكم، والذي يفكر بطريقة مختلفة عن سلفه، وينفذ أيضا بعقلانية ومنطق، ولا شك أن الانتخابات التشريعية الماضية ثبتت الثقة فيه، اذ أن انتخابات نصف العهد تكون دائما كارثية للحكم، ولم تكن كذلك معه.
من الأمور التي ميزت بايدن، مثلا طريقة تعاطيه مع “كورونا” في التلقيح والمعالجات، واهتمامه بالبيئة لا جدل فيه، كما أكد عليه في مؤتمر شرم الشيخ منذ أسابيع، وتعيينه لجون كيري كممثل له في اجتمعات البيئة تدل على ذلك.
أما السياسات الداخلية فهي مختلفة، بدءا من مشروع تأهيل البنية التحتية وقوانين الهجرة وغيرها وجميعها تشير الى عودة أميركا الى العالم.
يتعامل بايدن مع المنطقة العربية بطريقة مختلفة، وستظهر معالمها أكثر فأكثر قريبا، وطبعا لن يتمكن من الغاء قرارات ترامب كتلك المتعلقة بفلسطين، لكنه يحاول التصحيح أو تخفيف المساوئ.
أفغانستان، أي ما جرى ويجري حولها يدل على بداية تغيير كبير في السياسة الأميركية تجاه الدول العربية والأسيوية، وبخاصة تلك التي تواجه المجموعات المتطرفة.
طبعا ترامب وقع اتفاق الانسحاب مع “طالبان”، لكن من نفـذ هـو بايدن، وان شاب عمليـة الانسحـاب أخطاء عدة، فمن كان يتوقـع أن ينهار الحكم ألأفغاني في ساعات قليلة، وتسقـط كابـول في أيـدي “طالبان”؟
الفساد والفوضى وعدم الجدية طبعت جميعها الحكم الأفغاني السابق، ولا جدوى من البقاء الغربي دون حد زمني، لذا الانسحاب من أفغانستان اعاد تحديد السياسة الأميركية تجاه الدول الأسيوية والعربية، وستعتمد على تحالفات تصمد في وجه التحديات، وليس على أنظمة ضعيفة تسقط عند أول هبة ريح، والانسحـاب الأميـركي من أفغانستان يعزز وضع الدول العربية باتجاه اتفاقيات جديدة متعددة الأطراف.
أما العلاقات اللبنانية- السورية، فهناك محاولات لتغييرها بفضل الغاز تحديدا، والطاقة عموما، والتي لم تكن لتبدأ لولا بعض التغيير في السياسة الأميركية.
هذا التغيير فرضته أيضا الحاجة اللبنانية الى الكهرباء التي وصلت الى حدودها القصوى، اذ لا يمكن لأي اقتصاد، بل لأي مجتمع، أن يحيا ويتطور ويستمر من دون امدادات مستمرة في الطاقة.
الأوضاع اللبنانية المنهارة مع الشغور الرئاسي، وحتى قبله، فرضت تقاربا في المصالح، ومن المؤشرات المهمة المحادثات الوزارية الرباعية بشأن الطاقة مع مصر والأردن والتي لم تكن لتحصل من دون الضوء الأخضر الأميركي، فالبداية من الطاقة وثم الى الاقتصاد والسياسة لجميع الدول العربية.
خبير اقتصادي لبناني