أنا الماعز الأليف… الطريق لـ”كرونوفوبيا” المستقبل
د.نجلاء يس
“أنا الماعز الأليف (2)”، فيلم رسوم متحركة قصير، فريد من نوعه، يلامس بجرأة جازمة الكثير من القضايا التاريخية والسياسية والعسكرية والدينية والروحانية الحساسة التي تشكل عالمنا المعاصر، من خلال مجموعة من الصور الجميلة القوية، ثلاثية الأبعاد، ذات الدلالات الرمزية، والفلسفية الفعالة، قدمها استوديو Heliofant للرسوم المتحركة في مونتريال بكندا، كقطعة فنية ذات مستوى مذهل جعلها تحصد الكثير من الجوائز، وقد أعد الفيلم لويس ليفبفر، وبلغت مدة عرضه سبع دقائق وسبعا وعشرين ثانية، واستمر العمل به على مدار سبع سنوات، بدءاً من عام 2006 وحتى إطلاقه عام 2012.
وقد تحول إلى نقطة جدل كبيرة، نظراً لما تضمنه من إشارات ورسائل مبهمة مليئة بالرمزية الباطنية، والغموض، والتنجيم، والمؤامرات، والتعقيدات، يؤدي الغوص في أعماقها إلى التنبؤ بكوارث مستقبلية مرعبة، حول انتشار أوبئة، وفيروسات، وأسلحة بيولوجية، وحروب مطورة ستنتج عنها إبادة معظم الجنس البشري، جسدها الفيلم في نهايته بظهور شخصية تحمل عينا ثالثة على جبهتها تسعى لتدمير العالم، تمهيداً لقيام العهد الجديد وانهيار الحواجز الدينية والنفسية بين الأمم. وبالرغم من صعوبة فك شفرة رموز هذا الفيلم وقت صدوره، إلا أن ربط الكثير منها بسلسلة الأحداث المشابهة التي وقعت بالفعل -كظهور فيروس كورونا، وحادثة القتل الإرهابي العشوائي للمصلين في أحد مساجد نيوزيلندا، واحتراق كاتدرائية نوتردام في باريس- أعاده إلى دائرة الضوء ليتردد صداه على جميع الأصعدة في الآونة الأخيرة، بل ذهب الكثيرون للاعتقاد بأن أحداثه ليست محض تنبؤات بل وقائع متعمدة، وجعلهم يتساءلون في رعب حول مستقبل البقية الباقية التي لم تتحقق بعد، وقد تباينت الآراء حول تحليل الفيلم والتأثيرات الكامنة فيه، إلا أنها اتفقت في نقاط مشتركة عدة، منها إحاطة قوى الشر بالعالم، وخضوع رؤساء الولايات المتحدة الأميركية لسيطرة قوى خفية، وانهيار أميركا والاتحاد الأوروبي والصين ودول النمور الآسيوية والاتحاد السوفياتي، وتقوض البورصة، ورواج الانحلال الخلقي، وانتشار الأعمال العدائية في الشرق الأوسط، وانتهاء السلام، وزيادة الاستغلال الجسدي والاقتصادي في جميع أنحاء العالم، وقيام الحرب العالمية الثالثة واستخدام القنبلة النووية فيها، وظهور النظام العالمي الجديد، الذي سيسطر على العالم ويتحكم بسكانه بواسطة شرائح إلكترونية يتم غرسها بهم، ومن ثم السيطرة عليهم عبر شبكة الإنترنت، ليصبح شأنهم شأن “الماعز الأليف” بطل الفيلم الذي لا يفقه ما يدور خلف الستار، والذي ينبئ الجرس المعلق برقبته عن أي محاولة مباغتة منه للتحرر، ليتم على آثارها زيادة الأعباء الملقاة على كاهله لتصيبه بالإعياء والعجز عن الحركة. وفي ظل غياب الإجابات المؤكدة لعلامات الاستفهام التي تلف الكثير من القضايا الغامضة، نجد أن هذا الفيلم أدخل العقول في حيرة كبيرة جعلتها تتساءل عن السر الكامن وراءه، وهل هو رسالة تحذير قدمها أحد المنشقين عن قوى الظلام هدفها انقاذ البشرية مما يخطط لها، أم انه جزء من الحرب النفسية المقامة عليها؟ وما الدافع وراء تحميله مزيدا من المعاني أكثر مما يستطيع حتى أولئك الذين ابتكروه فهما؟ وهل يتم إنشاء كل شيء لغرض أو تفسير معين تماشياً مع نظرية المؤامرة، التي تدور في فلك ألا شيء يحدث بمحض الصدفة، وألا شيء كما يبدو عليه، وأن كل شيء مرتبط ببعضه؟ خاصة أن صاحب الفيلم صرح بأن الأمر لا يعدو عن كونه رؤية ذاتية، تحليلية، نقدية، دقيقة، للتطور الطبيعي لأحداث العقد المنصرم، التي تشكلت بناء عليها أحداث الوقت الراهن. وهل استغلت الضجة التي أثيرت حول الفيلم من قبل أياد خفية، للربط بين أحداثه في أذهان مشاهديه، بشبيهاتها في الواقع، لترسيخ رسالة “المزيد قادم” التي ينقلها؟ أم أن الأمر أبعد ما يكون عن الصدفة وأن الفيلم وصانعه، ليسا سوى أداتين موجهتين يهدفان لغرس رهاب المستقبل “الكرونوفوبيا” في الذوات، لتعميق مشاعر الخوف والقلق من هواجس المرض والموت والفقر والحرمان المستقبلي بداخلها، ما يحولها لفرائس سهلة يتم الزج بها إلى سجن النفس تمهيدا للسيطرة عليها، وتغيير معتقداتها وسلوكياتها وتسخيرها لتحقيق النوايا المستترة لهذه القوى الشريرة؟
كاتبة مصرية
Naglaa_Yasseen@hotmail.com