أوكرانيا تشغل العالم
د. لويس حبيقة
الوضع في أوكرانيا يشغل العالم ليس فقط لأهمية الدولة، انما بسبب الحشد العسكري الروسي على حدودها، الذي يمكن أن يؤدي الى حرب، وربما مواجهة عالمية كبيرة بين روسيا وحلف شمال الأطلسي.
حتى اليوم تقول روسيا إنها لا تنوي احتلال أوكرانيا، لكن القدرات العسكرية الروسية تكبر كل يوم، ومن الممكن أن يؤدي هذا الضغط الكبير الى مواجهة مع قوات حلف الـ”ناتو” غير البعيدة جغرافيا، ولا شك أن سيطرة روسيا على شبه جزيرة القرم حركت الغرب تجاه أوكرانيا، فالاثنان مترابطان الى أبعد الحدود.
على الساحة الدولية أوكرانيا غير معروفة كما يجب أن تعرف والجميع يتذكرها كجزء من الاتحاد السوفياتي السابق.
بعد روسيا كانت أوكرانيا الجزء الاقتصادي الثاني من الاتحاد السوفياتي، وعانت كثيرا من أزمة الركود الكبير في 2008 -2009، فوقعت اتفاقية مع صندوق النقد حصلت فيها على قرض بلغ 16.4 مليار دولار، وتعثرت الاصلاحات بسبب سوء التنفيذ فانحدر النمو بنسبة 15% في سنة 2009. بعد مفاوضات جديدة مع صندوق النقد في 2010 وبسبب حسن التنفيذ عاد النمو الى الاقتصاد لفترة قصيرة تعثر بعدها أيضا لعدم تنفيذ الاصلاحات، وبخاصة المصرفية.
بعد سنوات من التقلبات عاد النمو ليظهر مجددا في السنوات القليلة الماضية، ولا شك بسبب ارتفاع أسعار مصادر الطاقة المتنوعة.
أوكرانيا دولة غنية ويمكن أن تشكل سببا للاهتمام الروسي والغربي أيضا ليس فقط بسبب موقعها، انما بسبب الغنى في الطاقة التي يحتاج اليها الغرب.
أما السبب الأهم لرغبة روسيا في الغزو فهو سياسي بامتياز لأنها ترغب في تأدية دورها التاريخي مجددا أي قوة سياسية عظمى، اذ بعد ان خسرت روسيا الاتحاد السوفياتي وبعد ان انحل حلف “وارسو” وبسبب محاولة الغرب جذب أوكرانيا الى حلف شمال الأطلسي، كان لابد لروسيا من أن تظهر غضبها، بل معارضتها لهذا “الاذلال” الغربي الكبير.
روسيا تريد أن يتوقف الغرب عن جذب أوكرانيا اليه وخاصة أن تلتزم أوكرانيا ومعها الغرب في ابقاء حلف شمال الأطلسي بعيدا عن الحدود الروسية، وهذا ما لا تقبله أوكرانيا حتى اليوم، ويظهر اننا نعود من جديد الى ما يشبه حرب باردة متعددة الأسباب أهمها سياسي واقتصادي.
في مارس 1985 عندما تسلم غورباشوف الحكم في الاتحاد السوفياتي لم يعتقد أحد أن الحرب الباردة ستنتهي بسلام، لم يرد غورباشوف استعمال الجيش لاخضاع دول أوروبا الشرقية، وبالتالي سرع التغيير الحتمي، وبعد أربع سنوات، سقط حائط برلين وتغيرت الأنظمة وخلقت دول جديدة حرة، وشكل ذلك عالما جديدا مع أسس وقواعد جديدة ربما أكثر خطورة.
كتب الأستاذ في جامعة “بيركلي” مارتن ماليا أن الاتحاد السوفياتي منذ نشأته لم يكن مشروعا جيدا، وحمل في طياته الفشل المستقبلي”، والسبب الأساسي في رأيه هو أنه لم يحترم الحريات، وبخاصة الحريات الاقتصادية والاعلامية، وبالتالي لم يستطع الاستفادة من الطاقات البشرية الهائلة التي يحتوي عليها.
لا أحد ينكر الانجازات العلمية الكبيرة التي حققها الاتحاد السوفياتي في الفضاء وعلى الأرض، لكنها جميعها لم ينعكس بحبوحة للشعوب المعنية فكانت ناقصة أو جانبية.
يستمع بوتين لرأي الشعب قبل اتخاذ القرارات المهمة، وذلك عبر الاحصائيات المتوافرة، كما يستفيد حاليا بشأن أوكرانيا من ضعف شعبية الرئيس بايدن التي تقيد حريته في اتخاذ القرارات الكبيرة، فالمعارضة الداخلية لبايدن كبيرة من قبل الجمهوريين وهذا طبيعي، لكن من قبل بعض الديمقراطيين فهذا يدعو للعجب.
الغنى الروسي في مصادر الطاقة معروف عالميا ولروسيا اليوم دور كبير في تحديد السياسات النفطية العالمية عبر مشاركتها في مجموعة” opec+”،و هي تسعى الى ابقاء أسعار النفط في مستويات مناسبة للدول المصدرة دون أن يعيق ذلك نمو الدول المستهلكة، لكن تنويع الاقتصاد الروسي لم يحصل بعد، فيبقى النمو الاقتصادي في حدود 2% سنويا مع فائض كبير في ميزان الحساب الجاري. الاحتياطي النقدي هائل ويفوق 550 مليار دولار. مستوى البطالة في حدود 5% وهذا مقبول مقارنة بالدول الغربية، لكن الضمانات الاجتماعية غير متطورة.
خبير اقتصاد لبناني