الأميركي في بلغاريا والبحر الأسود والأرجنتين ينتصر على الدب الروسي
د. هادي مراد
في ظل استعادة روسيا النفوذ بعد الاستفادة من الفراغ الذي تولد عن إعادة ترتيب الولايات المتحدة لأولوياتها في الشرق الأوسط ومحاولات موسكو إيهام معظم الدول المعادية للغرب أنها أصبحت قوة تعديلية في النظام الدولي، إلا أن الولايات المتحدة تمارس سياسة احتواء روسيا من خلال ضم دول جديدة تغيّرت أنظمتها الموالية لروسيا بعد تقدم الأحزاب المتحالفة مع الغرب بالانتخابات الأخيرة.
ففي اليابان، فاز الائتلاف الحاكم بقيادة رئيس الوزراء فوميو كيشيدا بغالبية كبيرة في الانتخابات البرلمانية التي جرت الأحد، حسبما أعلن كيشيدا الاثنين الماضي قائلا إن الاقتراع “كان صعبا للغاية” لكن نتيجته “تعكس رغبة الناس”.
وحصد الحزب الليبرالي الديمقراطي وشريكه الأصغر في الائتلاف “كوميتو” 293 مقعدا من مقاعد مجلس النواب، حسبما أفادت وسائل إعلام محلية.
وقع كيشيدا تحت تأثير الجماعات المحافظة في الحزب الديمقراطي الليبرالي، الذي يرى ضرورة مخاطبة روسيا بقسوة، وثانيا، تحت ضغط الأميركيين الذين أزعجهم بوضوح البحث عن تفاهم متبادل بين موسكو وطوكيو.
كما أنه رغم تحرك موسكو لاستعادة شبه جزيرة القرم الستراتيجية، التي تتمركز بها قاعدة أسطول البحر الأسود الروسي، تلك الخطوة التي أدت إلى توتر العلاقات مع الغرب، وفرض العقوبات المتبادلة، لم تفلح في لجم تحركات الولايات المتحدة الأميركية لتعزيز تواجدها في بلدان أوروبا الشرقية، وخاصة بعد نتائج الانتخابات في بلغاريا الأخيرة، تقدّمت حركة “لنُواصل التغيير” على حزب “غيرب” المحافظ بزعامة رئيس الوزراء السابق بويكو بوريسوف.
وفي أميركا اللاتينية، شهدت الأرجنتين انتخابات أدت إلى فقدان البيرونية فيها الأغلبية في مجلس الشيوخ، وهذا ينبئ عن خسارة روسيا حلفاءها هناك بالتوالي، ويؤثر سلبا على سعي موسكو لتعزيز وجودها العسكري البحري في المحيط الأطلسي، ويزيد من مخاوفها اتجاه التوسع المستمر للبنية التحتية العسكرية لحلف الناتو تجاه الحدود الروسية.
وفي أوروبا، هناك توجه مناهض لسياسة روسيا في المنطقة وأشد تناغما مع سياسة الولايات المتحدة، وهذا ما تشهده تحالفات القوى الحزبية في فرنسا وفي ألمانيا لخوض الاستحقاقات الحالية، وتفصح عنه نتائج الانتخابات التمهيدية.
أما في تركيا، فقد انعكست سياسات اردوغان وتحالفاته الجديدة مع روسيا، والأزمات التي افتعلها مع الكثير من دول العالم، وبخاصة الولايات المتحدة، على الاقتصاد التركي، فخلال شهر أكتوبر الحالي وصلت الليرة إلى أدنى مستوى في تاريخها وأصبح الدولار يعادل 10 ليرات تركية، أي خسرت 30 في المئة من قيمتها منذ بداية العام الحالي، مع ما يعنيه من ارتفاع في عجز الموازنة التركية التي وصلت إلى 10 مليارات دولار في النصف الأول من العام الحالي.
وفي العراق، بات التيار الصدري بزعامة رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، المناهض لسياسة إيران المتحالفة مع روسيا، يملك ورقة ضغط في اختيار رئيس الوزراء العراقي المقبل بعد مكاسبه في الانتخابات التشريعية، ليصبح قادرا على تحجيم حركة روسيا وبسط سيطرتها على الخليج العربي، وبخاصة بعد استئناف المفاوضات الأميركية-الإيرانية حول الملف النووي.
المبعـوث الأميـركي الخـاص بالملـف الإيـراني روب مالـي يؤكد أن عودة واشنطن وطهران إلى طاولة المفاوضات أمر ضروري للبدء بالتحدث في شأن القضايا الخلافية، وعلى الرغم من المعارضة الإسرائيلية القوية من المقرر أن تبدأ الجولة التالية من المحادثات التي تهدف إلى استئناف الاتفاق النووي الإيراني في نهاية الشهر في فيينا.
إن السياسة الأميركية الجديدة القائمة على المطاولة حيناً والمناجزة تارةً، “أسلوب الدفاع والمواجهة، وحل القضايا الخلافية مع الدول التي تنفعها في مواجهة التهديدات الجديدة”، سيخرج روسيا من دول أوروبا الشرقية ودول أميركا اللاتينية وتنهي كل أحلامها في التحالف مع الدول القوية، كاليابان مثلاً، لتخرج من دوره في التأثير على النظام الدولي وتعود إلى حجم يقرب من دول العالم الثالث بعد أن تفقد كل ما تعتدّ به لتعزيز وضعها كقوة بحرية، حتى أصبح الخطر محدقا بها على حدودها.
طبيب وكاتب لبناني