الإرهاب ونطاقات الحركة في إفريقيا

0 71

د.سالم الكتبي

في مناطق عدة بالعالم، يعود خطر الإرهاب تدريجياً مستغلاً إنشغال المجتمع الدولي بالأزمة الأوكرانية، فضلاً عن أن صراع الهيمنة والنفوذ بين القوى الكبرى ما يوجد فجوة تتحرك فيها تنظيمات الإرهاب بشكل ملموس.
في إفريقيا على سبيل المثال، نجد أن القوات الفرنسية قد انسحبت من مالي وبوركينا فاسو، حيث تجري عملية إعادة بناء التحالفات بين بعض الدول الإفريقية والقوى الدولية، ويتقلص نفوذ دول ذات روابط قديمة مع إفريقيا لمصلحة دول أخرى مثل روسيا والصين.
نفوذ فرنسا التقليدي في غرب إفريقيا يتقلص، لكن لا يزال لباريس دور مهم في التصدي لخطر تنظيمات الإرهاب في المنطقة، رغم ذلك من أجل معالجة الرفض المتنامي لوجودها العسكري، لجأت برايس إلى تغيير ستراتيجية عمل قواتها في غرب إفريقيا، من خلال دعم هذه الجيوش وتعزيز قدرتها على التصدي لخطر الإرهاب.
الواضح أن هناك حساسيات متنامية للوجود العسكري الغربي في الكثير من الدول الإفريقية، حيث بات الشعور المناهض لفرنسا في تلك البلدان أحدى قضايا النقاش العام في تلك البلدان، بل تتحول العلاقات مع فرنسا إلى أحد أبرز الملفات المطروحة بين المتنافسين في الإنتخابات الرئاسية في بعض هذه الدول.
في منطقة غرب إفريقيا، تتمركز عناصر تنظيم “نصرة الإسلام والمسلمين” التابع لتنظيم “القاعدة”، وهناك أيضاً تنظيم “داعش”، وتتسبب في حالة من الفوضى وانعدام الأمن بهذه الدول، لاسيما مالي وبوركينا فاسو والنيجر وتشاد غيرها، ويرى كثير من المتخصصين أن الأوضاع في ليبيا قد أسهمت بشكل كبير في تأجيج ظاهرة الإرهاب في غرب إفريقيا ومنطقة الساحل والصحراء، التي تعتبرها بعض الدول “بؤرة إرهابية دولية”، كما قال ميخائيل بوغدانوف المبعوث الرئاسي الروسي للشرق الأوسط، في مراجعته الخاصة بالوضع الإفريقي في نهاية عام 2022.
معضلة تفشي الإرهاب في إفريقيا قد تكون أكثر خطورة من مناطق جغرافية أخرى في ظل ارتباطها بظاهر إجرامية أخرى مثل الإتجار بالبشر والهجرة غير الشرعية، وتجارة المخدرات والأسلحة وتزداد خطورتها في ظل البيئة الأمنية الرخوة التي توفر المجال المناسب لتكاثر هذه التنظيمات واتساع نفوذها، خصوصاً في النزاعات العرقية وغياب نفوذ الدولة الوطنية في بعض الأحيان.
وتزداد المعضلة في ظل أن بعض مناطق القارة الإفريقية تتحول ملاذات لعصابات تهريب المخدرات الهاربة من الملاحقات الأمنية في أميركا الشمالية والجنوبية.
بلاشك أن تجارب العالم السابقة مع الإرهاب تؤكد أنه لا يمكن الصمت على تضخم خطر هذه الظاهرة في أي منطقة من العالم، لأن التطرف بمنزلة عدوى تتمدد وتنتشر عبر الحدود التقليدية والسيبرانية، والجميع في العالم معرض للخطر في أي وقت، في ظل تفشي الإرهاب مجدداً سواء، وبالتالي فمن الضروري أن ينتبه العالم إلى تنامي خطر الإرهاب في منطقة الساحل والصحراء الأفريقية، حيث يتطلب الأمر حشداً دولياً مكثفاً لاستئصال تنظيمات الإرهاب المنتشرة في هذه المناطق، والأهم من ذلك معالجة العوامل التي أدت إلى إيجاد بيئة حاضنة للفكر المتطرف، سواء اكانت العوامل سياسية، أو اقتصادية، أو أمنية، أو عسكرية، أو فكرية. كما لا يجب أن يتسبب الانقسام والحالة الصراعية الدولية السائدة في وجود ثغرات تنفذ منها تنظيمات الإرهاب، فالاستقطاب الحاصل بين روسيا والدول الغربية في إفريقيا يؤدي دوراً كبيراً في إفساح المجال لتمدد الإرهاب، لذا ينبغي التعامل معها حتى لا يدفع الجميع فاتورة هذه الأخطاء الفادحة مستقبلاً.

كاتب اماراتي

You might also like