الإعلام ورسالته السامية في تعزيز قيم التسامح
منى شلبي
الاعلام سلاح ذو حدين ادى جزء منه منذ زمن طويل إلى يومنا هذا دورا كبيرا في خدمة قضايا الأمة ومصيرها، كما أنه للأسف الشديد تم ويتم استخدامه كوسيلة لتحقيق مأرب لتشتيت الأمم وتزييف وعيها ودس السموم في ماضيها وحاضرها ومستقبلها، كما انه فتح آفاقا للسلم أحيانا وأحيانا أخرى أوقد نار الفتن وأشعلها.
من هنا تتأكد لنا أهميته، إنه الإعلام الذي قال فيه إدوارد إكنستون:” في أميركا، يحكم الرئيس لأربع سنوات، أما الصحافة فإنها تحكم للأبد”.
وهذا إن دل على شيء فهو يدل على مدى تأثير هذا المجال على رسم الخارطة الحضارية للأمم، ما يستدعي عدم التقليل من أهميته، وضرورة الفهم الجيد لوظيفته حتى يتم استخدامه بالشكل الذي يرفع الأمم ويرقيها، وحتى لا يكون وسيلة هدم لحضارة بكل مقوماتها.
الصراعات والحروب غيبت رسالة الإعلام في نشر قيم التسامح، فلقد عاشت الأمم حروبا دموية طاحنة، أحرقت الأخضر واليابس بسبب صراعات على النفوذ والسيطرة على مناطق الثروات، فاستخدم أطراف النزاع الإعلام كوسيلة لصب الزيت على النار، لينتشر العداء كالنار في الهشيم، فازدادت الأحقاد والكراهية بين الشعوب والأمم الواحدة حتى ضرب بينها بجدران الفصل، وكأن بينها ثارات إذا لم تقض ظلت نيران الغل تشعل القلوب، وبعد مرور حقبة من الزمن سئم الناس من هذا الوضع المشحون الذي ينبئ في كل لحظة بانفجار بركان جديد، فبدأت جهات وشخصيات معتدلة تعمل على وضع حد لهذه المأساة التي يعيشها الإنسان، وهو يتنفس الخوف والقلق على مستقبله.
لقد احتاج المعتدلون من ذوي الفكر النير والقول الحصيف، الى إعلام قوي وجريء ينقل فلسفتهم عن الحياة القائمة على قيم إنسانية محض قوامها التسامح والمحبة مهما كانت انتماءاتهم وافكارهم وعقائدهم، حسبهم أنهم من نفس واحدة لا تفاضل بينهم إلا بالعمل الصالح الذي يجلب الأمن والأمان لكل المعمورة.
موقع التسامح في لغة الإعلام. من الطبيعي جدا أن يتأثر الإعلام بالبيئة والمرحلة التي يعيش فيها فما هو إلا مرآة عاكسة للمجتمعات وأحوالها، لكن في الوقت نفسه لا بد أن يكون شعاعا يضيء درب المجتمعات الغارقة بصراعات لا ناقة لها فيها ولا جمل، خصوصا في ظل التطور الذي يشهده الإعلام بكل أنواعه وانتشار الـ”سوشيل ميديا” التي بدأت تتحرك بوعي وتتصدى لخطاب الكراهية والتحريض الذي يتصدر منابر إعلامية لفترة ليست بعيدة، ما أسفر عن انقسامات حادة داخل المجتمع الواحد الذي تعيش فيه أطياف متنوعة من مذاهب وقوميات وأديان كانت تعيش ردحا من الزمن في سلام ووئام، وهذا ما جعلنا نؤكد ضرورة التلاحم والتراحم من خلال احترام خصوصية الآخر وعدم المساس بمقدساته لضمان العيش معا في استقرار وأمان، وهي مسؤولية الجميع، وعلى رأسها المنظومة الإعلامية التي تملك من وسائل التأثير ما يجعلها تسهم بشكل كبير في نشر رسالة التسامح باعتبارها قيمة إنسانية ودينية تجمع القلوب على كلمة واحدة ملؤها المحبة وروحها الرحمة بين الجميع لنحافظ على حضارة إنسانية خلدت لملايين السنين.
في سبيل ذلك لا بد من وضع حد لقنوات الكراهية أكبر ضمانة لحماية قيم التسامح، فلقد عانت الإنسانية على امتداد القارات من خطاب الكراهية الذي ساهم بشكل كبير في انتشار التطرف والعنف، وما ساعد على ذلك أن هذا الخطاب وجد حضنا إعلاميا ينفث من خلاله سمومه، وبذلك كانت هذه القنوات الإعلامية بكل أنواعها، بما فيها الإعلام الرقمي، طرفا أساسيا وليس فقط مجرد حاضن، بل مروج لتلك الخطابات المنبوذة، فتسببت هذه القنوات في الكثير من المآسي، وعلى رأس قائمتها الإرهاب بكل أنواعه، فاعتقد أولئك أن العنف والتطرف يصنع القوة والسيطرة تحت مسميات مزعومة، بيد أنه ساهم في نشر الخوف والقلق، وزاد في إضعاف الدول، وتشتيت المجتمعات بسبب نظرة الريبة والتوجس من الإسلام الذي جعلوا منه، بسبب تصرفاتهم دين عنف وظلم، في حين أن السماحة كلها وقيم المحبة والأخوة الإنسانية تجسدت في هذا الدين الذي جُعل رحمة للعالمين، لذلك لا بد من مراقبة القنوات وتجريم خطاب الكراهية وإغلاق القنوات القائمة على التحريض والدعوة إلى العنف، وينبغي على الإعلام المعتدل أن يتصدى لقنوات الكراهية من خلال تحكيم لغة المحبة ونبذ لغة التطرف والعنف لأن ذلك هو أكبر ضمانة لحماية قيم التسامح.
إعلامية جزائرية