الإنسان في فلسفة التعبير (1 من 2)
محمود كرم
في علاقتنا مع الأشياء التي نحبّها، وتلك التي نريدها ونسعى إليها، دائماً ما نرغب أنْ نشعر بأهميّتها في تكويننا الثقافيّ والشعوريّ. ولذلك عادةً ما نسعى إلى التواصل معها من خلال مهارة التعبير الحر. ومن شأن ذلك أنْ يبعثَ فينا تجاهها جماليّات الارتجال والتلقائيّة والابداع والخَلق والتميّز، بعيداً عن سذاجة التلقينات المعتادة، وضحالة التعبيرات الجامدة والمحدودة.
إنّكَ في أحيانٍ كثيرة، ترغبُ بأنْ تعبّر عن شيءٍ ما يهمّك، أو يعنيكَ تماماً، أو تجده ملهماً لذاتك، أو تعتبره طريقاً إلى خلاصك، أو ترى فيه جمالاً وسحراً، أو إنّه يغنيك عن كثير من أشياء، أو إنّكَ تتواصل معه بِعفويّة مطلقة وتناغمٍ مميّز.
وفي كلّ ذلك أنتَ لا تُخفي حبّكَ له، وقد لا تعرفُ تحديداً لماذا أحبّبته، ولكنكَ في الوقتِ ذاته، تراه يجعلك سعيداً ومبدعاً في أسلوبك وتعبيرك، وحتّى في طريقة تعاملكَ مع أوقاتك وأفكاركَ وانشغالاتك وانجازاتك.
بالتأكيد إنّها الأشياء الحرَّة في معانيها وتكويناتها وتنوّعاتها وامتداداتها، هيَ التي تمنحكَ مساحة كبيرة للتعبير عنها. تعبيراً جوهريّاً عن حريّتك في الأفكار والمعاني والاجتراحات، لأنّها تخلو من اشتراطات الفروضات الثقافية الجمعيّة، وتخلو من سلطة التفسيرات السائدة. إنّها تتهادى إليكَ في تعبيراتك الحرَّة والطليقة، وتبادلك متعة الفهم، استيعاباً خلاّقاً لجماليّة الإبداع والتلقائيّة والرحابة، فلا تنحشران في الزوايا المعتمة، ولا تندرجان تحت رتابة التفسيرات الخانقة، ولا تقعان في مهالك التعبيرات الجامدة، لأنّكما في الأصل تتطلّعانِ بشغفٍ إلى جمالية التعبير الحرّ، وتعرفان جيّداً أنّ ما يجمعكما في هذا الفسيح من حريّة التعبير، هو افتتانكما بطريقتكما غير الاعتياديّة في الاحتفاء بالمعنى والفكرة والأسلوب.
إنّكَ لا تستطيع أنْ تجد نفسكَ في مغاليق المعاني الخانقة، ولا في خرائب الأفكار المنغلقة، ولا في سجون التعابير المقيّدة، لأنّك تدركُ أنّ حريّة التعبير في جوهرها الإنسانيّ التاريخيّ، عاكسة بكلّ وضوح لتاريخ الإنسان في تجلّياتهِ التعبيريّة مع الكلمة والفكرة والمعنى والأسلوب. إنّها حريّتكَ التي تراها تمتدُّ إلى تاريخك الفكريّ وميراثكَ الفلسفيّ، وتجدها دائماً أمامكَ تتمثّل في عناوينها العريضة والناصعة. أنا أفكّر وأشكّ وأتفلسف وأتكلّم. ولذلك تحسبُ أنّكَ في كلّ مرَّةٍ وأنتَ تستدعي جوهركَ الإنسانيّ، تستدعي في الوقتِ ذاته، تاريخ حريّتك في التعبير عن كلّ ما تريد أنْ تتعالق معه قولاً وتعبيراً وفكراً وفلسفةً، وترى أنّ ذلك يعزّز فيك دائماً مهارة التواصل الانفتاحيّ الحرّ، مع أهمّ ما يبعثكَ إنساناً معبّراً منفتحاً، وحرَّاً وطليقاً.
وفي كلّ تخلّقاتكَ التعبيريّة الحرَّة، ثمّة حقيقةٍ تتجلّى أمام تبصَّراتك، تكشفُ بِوضوح عن جمال العلاقة في ما بينكَ وبين نزعتكَ الخلاّقة للتعبير الحر.
تلك العلاقة التي تنشأ أساساً من وعيك بحقيقة ذاتك، وهيَ تتماهى جمالاً وإبداعاً مع نزعتك التعبيريّة الحرَّة، من حيث أنّك هنا عادةً ما تريد أنْ تمنح حقيقتكَ وجوداً معرفياً وفلسفياً، يتكامل توافقاً مع حريّتك في التعبير، لأنّك تعرف أنّ ما يستحقّ العمل من أجلهِ، هو أنْ تعرفَ كيف عليه أنْ يتوافق اكتمالاً وانسجاماً وفهماً مع حقيقتكَ الذاتيّة في تجلّيات التعبير الحر، وذلك ما يجعلكَ متفانياً في سبيل حقيقتك التي أسستها بوعيّ وجمال، انطلاقاً من حقيقةِ ما تريد أنْ تكون عليهِ دائماً في تعبيركَ الحر.
وفي تجلّيات تعبيرك الحرّ عن معانيك وأفكاركَ وافهاماتكَ وتجربتكَ وتأمّلاتك، تعرفُ أنّك لن تتخطَّى خوفكَ أو ترددك أو قيودكَ أو رواسبك المعيقة، إلاّ حين تستطيع أنْ تملكَ حريّتك في التعبير، ومن دونها لستَ إلاّ تفسيراً مكرراً في معمعة التفسيرات والتعبيرات الجامدة والهامدة، ولذلك كم تسعى إلى أنْ تملكَ تعبيرك، إدراكاً جميلاً منك بحقيقة حريّتك التي تعرف أنّك من غيرها، لن تنجز شيئاً من حقيقة ذاتك المعبّرة والمفكّرة، فالانجاز في تخلّقاتك المعرفيّة، يعني أولاً تكاملكَ التعبيريّ مع معانيكَ وتجربتكَ الثقافية، ويعني أيضاً تأسيسكَ الخلاّق لملاذكَ الفلسفيّ المستقلّ، الذي ترى أنّه دائماً ما يأخذكَ حرَّاً إلى أجمل ما تريد أنْ تتعالق معه فكراً وتعبيراً وتجديداً وتطوّراً وخلقاً.
إنّكَ تحبُّ طريقتكَ الحرَّة في التعبير، ليس لأنّكَ فقط تريد ذلك، تماثلاً مع ذاتك المفكّرة والحرَّة، بل لأنّكَ وجدتَ فيها أسلوبكَ الذي من خلاله تعرف جيّداً كيف عليكَ أنْ تحبَّ منطقكَ في التعبير، ذلك لأنّ ما تحبّه، تبحث فيه عن منطقكَ الذي يجعلكَ متوافقاً معرفياً مع تعبيراتك، ومن غير المنطق تخلو تعبيراتك من رصانة الفكر ومتانة المقصد وجمال المعنى. وكم تسعى في كلّ مرَّةٍ إلى أنْ تكون منطقيّاً في تجلّيات تعبيراتك، لأنّك في كلّ مرَّةٍ تسعى إلى أنْ تكونَ ناقداً في متابعة أفكارك وتوجّساتك وقلقك الفلسفيّ، وواعياً في تجربتكَ الثقافيّة أيضاً.
… للحديث صلة
$ كاتب كويتي
Tloo1996@hotmail.com