التنمر الإلكتروني ظاهرة خبيثة… يجب تجريمها

0 264

منى شلبي

شئنا أم أبينا، هناك حقيقة لا بد من إقرارها في هذه المرحلة من حياتنا، وهي ان المواقع الإلكترونية والـ»سوشيال ميديا» تشكل جزء كبيرا ومهما فيها، ومما لا شك فيه أن العالم الافتراضي منذ ظهوره شهد تطورا سريعا ومذهلا للغاية، وكانت له تداعياته الإيجابية في تحسين نمط الحياة، وتقريب المسافات، والحصول على المعلومات وغيرها من الاستخدامات التي لا غنى لنا عنها.
وفي ظل انتشار مواقع التواصل الاجتماعي أتيحت لروادها مساحة واسعة من حرية التعبير والتعليق، وإبداء الرأي حول الكثير من المواضيع والشخصيات، لكن ما فتئ الأمر أن تحول إلى واقع يؤسف عليه، وأصبح الكثير من المواقع محل ملاسنات وقذف وقدح، وشتم وكلام يجرح الحياء العام.
أصبح العالم الافتراضي يعاني من مشكلات وسلوكيات خاطئة تمس كرامة مستخدميه، بل وتترك أثرا سلبيا عميقا، فبات أصحاب الحسابات والمواقع والصفحات من أشخاص وشركات، وجمعيات ومنظمات أكثر عرضة للتنمر من حسابات وهمية، جل وقت من يديرها يقضيه على مواقع التواصل الاجتماعي، يتسلى بالتعليقات المسيئة، وينشر أخبارا تمس سمعة شخصيات، أغلبها معروف من أجل أغراض عدة،اما من أجل التشويه والانتقام، أو الابتزاز، أو شد الانتباه اليهم لكسب عدد كبير من المتابعين، وبالتالي التغذي على حساب هذا العمل المنحط الذي يلاقي الكثير من ردود الفعل الرافضة والمستاءة من هكذا سلوك، لأنه يتسبب بالإحباط والانعزال والاكتئاب، والحزن الذي يتحول حالة مرضية، بل يدفع حتى إلى الانتحار، بسبب ما يفعله المتنمرون الافتراضيون، الذين لا بد من محاسبتهم ووضع حد لهم.
لكن المشكلة الجوهرية تكمن في أن غالبية المتنمرين وهميون، يتخفون بأسماء مستعارة ما يصعب معرفتهم لمواجهتهم أو لديهم حسابات موقتة.
لا بد من الإشارة هنا الى أن هذه الظاهرة عالمية، فقد اعلن المجلس الوطني الأميركي لمنع الجريمة أن التنمر الالكتروني مشكلة تؤثر على نحو نصف المراهقين الأميركيين، وهو عدد كبير يدعو إلى القلق وسرعة التحرك لوضع حد لهم، عبر الكثير من الطرق على رأسها القانونية والتحسيسية.
اخيرا ارتفعت الأصوات والشكاوى من مرتادي الفضاء الافتراضي لوضع حد للإساءات التي يتعرضون لها، سواء اكانوا أطفالا أو كبارا، أو شخصيات عادية أو مشاهير، شركات ومؤسسات، وفعلا بدأت إدارة الكثير من المواقع تتحرك في هذا الإطار، فبات بإمكان أصحاب الحسابات، أو الصفحات على موقعي «فيسبوك» و»تويتر» إضافة كلمات تحمل معاني عنيفة أو مسيئة وحظرها، كي لا تظهر على صفحتهم، وهذا الإجراء ساهم في الحد من انتشار ظاهرة التنمر الإلكتروني، لكن رغم هذا، يبقى من الصعب التحكم في الإيحاءات والجمل الكثيرة، فلا أحد يمكن أن يصل إليهم لمحاسبتهم، وطالما هناك قصور في القوانين المجرمة لظاهرة التنمر الإلكتروني التي تكتسح مواقع التواصل الاجتماعي، فهذا يعني أن هؤلاء لن يردعهم شيء، بل سيتنمرون أكثر فأكثر، متسببين بحالة من الفوضى داخل هذه الفضاءات.
يوما بعد يوم يزداد التطور الحاصل على المستوى الإلكتروني، وتطوير برامج الهواتف الذكية والحواسيب، ومعه تزداد الهواجس التي تؤرق مستخدمي هذه الأجهزة بسبب العنف الذي يتعرضون له بشكل يومي على مستوى مواقع التواصل الاجتماعي، واستصعاب مواجهة حدة ما يتعرضون له، ما يجعلنا نتحرك كمتخصصين في هذا المجال لمطالبة السلطات التشريعية مواكبة ما يحصل وتجريم التنمر الإلكتروني، مثل الكثير من الجرائم الإلكترونية التي تسبب الكثير من الآثار الخطيرة، ليس في المجتمع الافتراضي فقط، بل تنتقل إلى العالم الحقيقي وهنا تكمن الخطورة.
عندما نقول سن قوانين تجرم التنمر على مواقع إلكترونية والـ»سوشيال ميديا»، لا بد أن تكون مدعومة بصيغة تنفيذية صارمة ورادعة من أجهزة متخصصة بهذا المجال للتحرك السريع، نظرا الى سرعة انتشار الإشاعات وعملية التشويه، والخداع وابتزاز واستغلال الاشخاص الذين يتعرضون لتهديدات، قد تودي بهم إلى الهلاك، وهذا يتطلب جهدا بشريا وتقنيات متطورة ومعرفة استخدامها ومواكبة كل تطور حاصل في هذا المجال.

كاتبة، مدربة اعلامية جزائرية متخصصة في التواصل الاجتماعي

You might also like