الجنوب العربي… ما زال الرهان قائماً

0 302

حسن علي كرم

hasanalikaram@gmail.com

ما بين الحق والباطل ضاعت الحقيقة، وما بين الصدق والكذب ضاعت الحقوق، وما بين الاستهتار والاستخفاف بمقادير الشعوب ضاعت دولة الجنوب العربي، حتى 27 مايو 1990، كانت هناك دولة عربية مستقلة تتمتع بجميع شروط الدولة المستقلة، وكان لمقعدها في المجالس والمنظمات والهيئات الدولية وجود ثابت، كدولة ذات كيان مستقل، لكن عندما يعبث الشيطان في عقول مسؤولي وحاكمي تلك الدولة، المطلة على أخطر موقع بحري في العالم هنا كانت نهاية دولة من الوجود، وتجريد شعب من كل الحقوق، فالمؤامرة لم تكن لاستلاب شعب وطمس دولة فقط، انما كانت المؤامرة أبعد وأخطر، فالاتحاد العربي المزعوم الذي خطط له الثلاثي صدام حسين والملك حسين وعلي عبدالله صالح، ورابعهم الذي أدخلوه في رفقتهم كشاهد “ما شافش حاجة” حسني مبارك، هؤلاء الأربعة اتفقوا على إعلان اتحاد رباعي ظاهره رفاهية الشعوب ووحدة الهدف، وحقيقته التآمر وضرب الأمة في مقتل.
ماذا حدث بعد إعلان الاتحاد العربي المشؤوم، دعوة صدام لمؤتمر قمة عربية ينعقد في بغداد، بعد يوم من إعلان دمج اليمنين في عقد وحدة بلا أساس” قرار الوحدة كتب في عشرة أسطر وعلى ورقة عادية وبقلم جاف”. حضر القمة معظم الرؤساء العرب، وكما أراد صدام حسين من دعوته الى القمة أعلن نفسه انه الملك المتوج على ديار العرب، وأن له الكلمة العليا على كل العرب والتي لا ترد، وعلى هذا انفض لقاء
“قمة بغداد”، ثم كانت الخطوة التالية برسم المؤامرة واكتمال أركانها، اجتاحت قوات صدام حسين في فجر الثاني من اغسطس 1990 الكويت ليعلن ضم الكويت (الدولة الخليجية الوادعة المستقلة) بقوة الى العراق بزعم انها محافظة عراقية، وهنا انكشفت الوجوه، وأُزيحت الاقنعة، صدام احتل الكويت وعينه على كل الخليج، من الكويت الى آخر بقعة في دولة الامارات، والملك حسين أعاد لقب جده وأعلن نفسه شريفا حيث المطالبة بإرث جده الشريف حسين، وعلي عبدالله صالح ضمن كرسي وحدة اليمنين وعينه على نجران وجيزان وتهامه و غيرها من المناطق السعودية الفاصلة بين المملكة واليمن.
علي عبدالله صالح صنع لنفسه كرسياً وتصور نفسه انه وريث الملكة بلقيس ونبي الله سليمان، و أما رابعهم الذي كان يؤدي دور شاهد “ما شافش حاجة” خرج من اللعبة، حيث وجد ان مصلحته مع الاثرياء، وانهالت على حكومته المليارات، ناهيك عن الحوافز كإسقاط الديون و”كارد بلانش” في كل شيء وشيك مفتوح لحامله.
من هنا استفاق الجنوبيون على انهم وقعوا في شراك أكبر خدعة، حيث صادر علي عبدالله صالح دولتهم، وباتوا أرضاً بلا دولة، وشعباً بلا هوية، فلا هم يمنيون كاملو الدسم، لهم ما للشماليين من حقوق ومواطنة، ولاهم استبقوا على أرضهم ودولتهم، ولا هم يتمتعون بخيرات وطنهم، فخيراته انتقلت الى الشمال، وقياداتهم باتوا كأعجاز نخل خاوية، قيادات بلا مناصب ومسؤولون بلا صلاحيات، وبخلاف كل ذلك، خوض غمار حرب غير متكافئة، انتهت بانتصار علي عبدالله صالح، وهروب القيادات الجنوبية لاجئين في الشتات.
لكن بقي الجنوب ناراً تحت الرماد، وبانتظار التوقيت المناسب حتى تشتعل مجدداً، و كان التوقيت في 2007 حيث بدأ الحراك السلمي من قبل مجموعة من العسكريين الجنوبيين المتقاعدين، أوالذين أحالوهم قسراً الى التقاعد، والذين صودرت حقوقهم المعاشية، وكان عنوان الحراك حقوق المتقاعدين، لكن تطور الحراك الى المطالبة بفك الارتباط وعودة الجنوب الى أهله. الآن يبقى السؤال: أين الحقيقة وأين الحقوق، ومن الظالم ومن المظلوم؟
الجنوبيون كانوا مستقرين آمنين في وطنهم، وبلحظة شيطانية طار وطنهم، ليستولي عليه سارق وحرامي و قاتل، ويدفع شعب الجنوب الذي رأى نفسه وقد خسر كل شيء، إلا أن يقدم جسده قرباناً لوطنه المسلوب والمسروق، ورغم قلة حيلته وضعف امكانياته، لكنه بقي ينافح ويكافح بكل ما أوتي من أداة سلمية، لاستعادة حقوقه المسروقة، وبلاده المسلوبة.
إن العالم بشرقه وغربه، بإسلامه و مسيحييه و دياناته الأخرى السماوية والوضعية، الذي نكب بأخطر وباء يهدد البشرية في العصر الحالي عجز العلم وكل التقدم التكنولوجي عن إيجاد علاج يوقف التهامه آلاف الموتى وملايين المصابين بهذا الوباء الخطير، الذي ربما ينهي الحياة على الارض، ويقطع نسل البشرية، هذا العالم الذي تمادى في الظلم، والاعتداء على الحقوق، الا يحين الوقت لينظر الى الشعوب المظلومة والحقوق المسلوبة، والحروب العبثية. ان الجنوب شعب ظُلْم وكان ضحية خدعة قذرة حبكها الثلاثة صدام حسين وعلي عبدالله صالح وثالثهم الملك حسين، في حين رابعهم كان يجلس على دكة الانتظار يترقب نتائج المؤامرة، ومن الخاسر ومن الرابح.
الجنوبيون سيعودون الى جنوبهم وان طال الزمان، فتلك سنة الحياة، و بإيمان شعب يراهن على البقاء، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
صحافي كويتي

You might also like