الخيار والفقوس بين قانون ساكسونيا وشريعة حمورابي
د.نجلاء يس
“الخيار والفقوس” مثل شعبي مصري يشير إلى التمييز الطبقي مجتمعيا، وما يسفر عنه من تعامل انتقائي في الحقوق والواجبات بين أفراد الوطن الواحد، حيث يمثل “الخيار” طبقة البورجوازيين، بينما يراد بـ”الفقوس” (“القثاء) طبقة البروليتارية والمهمشين، رغم أن كليهما من الفصيلة القرعية، ولهما الخواص نفسها، وكان يتم بيعهما معاً، إلا أن الناس كانت تفضل الخيار وتختاره لنعومة ملمسه وشكله الجذاب، نظرا لكون الفقوس ورغم فوائده الجمة، تشوبه خشونة المظهر، وطول القامة، وصلابة القشرة الخارجية.
وبتطبيق مبدأ “الخيار والفقوس” على قانون ساكسونيا أو قانون العدالة الزائفة، ذلك القانون الإقطاعي الذي يتصف بالعبودية المشتق اسمه من ولاية ساكسونيا بشرق ألمانيا، ووضعه النبلاء في القرن الخامس عشر، لتصدير صورة العدالة الوهمية للمجتمع، حيث كانت نصوصه تشرع الحكم على الجناة دون تمييز، لكنها تربط تنفيذ العقوبة بموقع الجاني الطبقي، فإذا كان القاتل من طبقة الرعاع نفذ عليه العقاب جسدياً بقطع عنقه، بعد إذلاله باقتياده في وضح النهار لميدان عام على مرأى ومسمع من الجميع، أما إذا كان من طبقة الأغنياء، فينفذ عليه الجزاء صورياً بقطع عنق ظله، بعد استدعائه بكامل رونقه قبل غروب الشمس، بساحة عدالة وهمية، بحضور النبلاء، ووسط تبجيل وتأليه الشعب المغيب للقانون ومشرّعيه ومنفّذيه.
وبتطبيق المبدأ نفسه على شريعة حمورابي، التي تعد من أقدم القوانين المكتملة، والمنظمة المسجلة في التاريخ بحضارة ما بين النهرين (العراق)، لمعالجة شؤون الحياة الاجتماعية والاقتصادية، للملك البابلي حمو-رابي (الأمير الذي يخاف الله) (1792-1750 ق.م)، والتي وضعها في السنة الأربعين من حكمة، وأملاها على معاونيه ليدونوها بالخط المسماري باللغة البابلية، في ثلاث كتل من حجر الديوريت الأسود، جمعت معاً لتشكل نصباً مخروطياً بطول 225 سنتيمترا، وعرض 60 سنتيمترا، تكونت من مقدمة اعتلتها صورة لإله الشمس والعدل يتلقى الولاء من حمورابي، تلتها مجموعة النصوص القانونية، وتضمنت 282 مادة قانونية، مقسمة على 12 قسما، مرتبة في 44 حقلا، متبوعة بالخاتمة، وقد تم اكتشافها بين عامي 1901و1902 في سوزا عاصمة عيلام في منطقة الهضاب الواقعة شرق بابل، أثناء حفريات البعثة التنقيبية الفرنسية، ومقرها الحالي متحف اللوفر في باريس.
نجدها رغم ان هدف صاحبها كان تطبيق العدل والمساواة بين الرعية تبعاً لمبدأ الجزاء بالمثل، أو العين بالعين والسن بالسن، إلا أنه ربط العقوبة بالهوية الطبقية للمعتدي والضحية، أي حسب الانتماء الطبقي لكليهما، سواء أكانا من طبقة الأحرار، أو الكهان، أو الاتباع، أو العبيد، فنجد المواد من 196 الى201 ، المختصة بجزاء فقء العين، وكسر العظم، وخلع السن، إنهاعاقبت من فقأ عين رجل أعلى من مستواه بفقء عينه، ومن كسر عظم أو خلع سن رجل من درجته نفسها بالعقاب نفسه، أما من فعل ذلك برجل أقل منه فيعاقب بغرامة مالية، وأيضاً المواد من 202الى 205، المختصة بعقوبة الصفع، نجدها عاقبت من صفع رجلا أرفع منه بجلده ستين جلدة من ذنب الثور في المحكمة، ومن لطم رجل من درجته بغرامة مالية، وقطع أذن العبد إذا صفع سيده.
وكذا المواد من(209 الى 214) والمختصة بعقوبة القتل، نجد أنها تعاقب الرجل الذي قتل امرأة حرّة بقتل ابنته، ومن قتل أمَّه يغرم بمال، وهكذا الحال في المواد من 128الى 132 الخاصة بالزنا، والتي تسمح للرجل بإقامة علاقات خارج نطاق الزواج مع الخدم أو العبيد، وتحكم على المرأة التي تفعل ذلك حتى لو مع سيد آخر، بتوثيقها وإلقائها في النهر. وهكذا يمكن لنا استيعاب مفهوم وأسباب “الخيار والفقوس” الطبقي السائد في العالم، كما يمكننا السؤال: ماذا لو غاب الإنصاف والعدل وخيم الظلم والفساد، وارتفعت فئة من أصحاب المراتب العليا فوق سيادة القانون؟ الإجابة وما المستهجن في ذلك، فالصراع الطبقي المجتمعي ما ألفينا عليه آباءنا منذ بدء الخليقة، وسيدوم ويتصل إلى يوم الدين.
كاتبة مصرية
Naglaa_Yasseen@hotmail.com