الديمقراطية الوطن ثم الوطن ثم المواطن

0 131

الشيخ علي الجابر الأحمد

“الثوب اللي أطول منك يعتك”، هذا المثل الكويتي هو حال الديمقراطية التي بدلا من أن ننعم ونفخر بها أصبحت نقمة علينا، وينطبق عليها مثلنا السابق، إذ غدت كالثوب ذي المقاس الخمسين على مواطن مقاس عشرين.
الديمقراطية ليست كلمة نترجمها كيفما نريد، ومتى نريد، بل هي معنى سام لها من الوجوه الجميلة عدة، ولها من الحسنات التي يجب علينا أن نساير الزمن بها كما هي الدولة المتقدمة،فالديمقراطية هي التعاون والمراقبة، والتوازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، ولا أعني هنا الحرية المطلقة، أو الخروج عن المألوف.
لو كانت الديمقراطية ضيفا على الكويت لغادرت من دون رجعة بسبب سوء استخدامنا لمفهومها، وممارستنا لها من نواب المجالس، ولا من كتاب المقالات، ولا حتى من المواطنين، فما يتم تبادله من شتائم واتهامات عبر الصحف لا يدخل تحت مظلة الديمقراطية، ومفهوم حرية الرأي والتعبير، فالجميع يتغنى بها ويضرب على أوتارها، لكن بنغمات حزينة، والكل ينادي تحت مظلتها بما ينفع وبما لا ينفع.
المجلس يتصارع مع الحكومة، والبلدي يتصارع مع نفسه، والمواطنون يتصارعون على أملاك الدولة، والكل في صراع حتى اختلط الحابل بالنابل، وتساوى السيئ بالجيد، والمتعلم بالجاهل، والحرامي بالشريف.
وبدلا من أن نتقدم بالديمقراطية للأمام أصبحنا نسحبها ونرجع بها إلى الوراء، والبركة في الموجودين على الساحة، ولا يتطلب خطة طويلة الأجل، بل قرار سريع العمل.
كل منا تدفعه الشهامة والمروءة للدفاع عن أحد أقربائه عندما يصاب بأي مكروه، علما بأننا بشر ونحن زائلون، أما الكويت، الأرض، الباقية تختفي الشهامة والمروءة للدفاع عنها.
الديمقراطية هي محاكاة جادة، وإيجابية، وتعاون مثمر، وعلاقة جدلية مميزة بين الجهازين التشريعي والتنفيذي، الأمر الذي ينتج نظاما حضاريا فعالا، ولتحقيق ذلك لابد من الوقوف في وجه النهج المتخلف الذي ينادي أصحابه بديمقراطية، لكن وفقا لمقاساتهم ومعاييرهم الشخصية.
إن ما يحدث حاليا على الساحة الكويتية هو حالة من الفوضى، وهدم لما خلفه لنا الأجداد والاباء من ديمقراطية مميزة طوال أربعين عاما، نعتز ونفتخر بها.
لا بد من وقفة واعية مستنيرة تتكاتف من خلالها الأيادي من أجل أن نتجاوز هذه المرحلة المصيرية، ونضع الحلول المناسبة للحفاظ على الكويت بإخلاص، آخذين في الاعتبار حب هذه الوطن العظيم، وما قدمه لأبنائه.
اننا أمام مشكلة عميقة، فالمصالح الخاصة من الأولويات، بينما ستراتيجية ومصالح الوطن والحراك التنموي والاقتصادي آخر الاهتمامات.
وهذا ما يحزننا كثيرا، إذ أين كانت الكويت في الماضي، وكيف نحن حاليا، علما بأننا كنا، ولا زلنا محط أنظار وحسد العديد من الدول على ما نتمتع به من نظام ديمقراطي، يمثل وجوه الديمقراطية الحقة المطبقة في الدول المتقدمة، لكن للأسف الشديد حسدنا أنفسنا على ما نحن عليه، وخرج كل من السرب، وبدأ يغرد منفردا مستغلا الديمقراطية، ومفسرا لها وفق ما تخدم مصلحته الشخصية، وما سيعود عليه من نفع ضاربا بمصلحة الوطن عرض الحائط.
قال تعالى: “ومن يتق الله يجعل له مخرجا”، والقسم العظيم هو الله، فلو ان كلا منا يضع الله ومخافته، والوطن ومصلحته نصب عينيه، متجاهلا ومبتعدا عن مصالحه الشخصية التي يمكن أن يحققها بجده واجتهاده، ويحقق نجاحا أكبر بكثير مما يحققه من خلال استغلاله لمنصبه، أو مكانته على حساب الوطن، ومن خلال الشعارات الزائفة الرنانة التي يتشدق بها، لما أصبحنا في هذه الحالة التي نحن عليها اليوم.
كثيرا ما كتبنا وخاطبنا الضمائر قائلين: اتقوا الله بهذا الوطن المعطاء ومصلحته، لكن لا حياة لمن تنادي، فالكل يريد مصلحته فقط، ولا يهمه الوطن.
وضع يشعر معه الانسان، طبعا المخلص الشريف، بألم يعتصر القلب ونحن نرى ونسمع ما آلت اليه الأمور، ولو قارنا الكويت بكثير من الدول، لوجدنا أن المواطنين في تلك الدول حريصون كل الحرص على مصلحة أوطانهم، رغم أن ما تقدمه لهم تلك الأوطان، وبالقياس لما تقدمه الكويت لأبنائها لا يكاد يكون سوى القليل.
ان ما يحصل في البلد في وقتنا الحاضر هو غزو داخلي، غزو منا وفينا، فأين المدافعون عن الكويت أيام الاعتداء العراقي، أين دفاعاتهم عن بلدهم أمام ما يجري على الساحة في جميع المجالات؟
ما يجري حاليا لا يتطلب التدخل من قوى حليفة، أو صديقة، أو شقيقة، بل يحتاج الى وقفة حكومية، وشعب يملك الحس الوطني أمام هذا الزحف.
ان هذا التأزيم الخطير الذي يثيره أصحاب المصالح الخاصة لا مبرر له ولا بد من لجمه، فأمورنا تحل بالحكمة والموضوعية، آخذين بعين الاعتبار ومصلحة الوطن، فالحكومة وبأدواتها التي منحها إياها الدستور وبقراراتها الحكيمة، قادرة على الوقوف حصنا منيعا تجاه كل من تسول له نفسه التعرض والنيل من هذا الوطن.
* * *
وبعد
وبعد قراءته، هل من جديد طرأ على المجلس ونوابه الذين تبدلوا خمس مرات تقريبا على مدى 17 عاما، ولا نبرئ الحكومة من ذلك؟

مواطن كويتي

You might also like