السعودية ـ إيران.. تحولات جيوستراتيجية كبرى

0 138

د.سالم الكتبي

اهتمت الدوائر السياسية والستراتيجية في المنطقة والعالم بأنباء الإتفاق بين المملكة العربية السعودية وإيران على إستئناف العلاقات الديبلوماسية، وإعادة فتح سفارتيهما وممثلياتهما، حيث ينطوي هذا التطور الفارق على دلالات وانعكاسات مهمة للغاية تتجاوز الإطار الثنائي لعلاقات القوتين الإقليميتين إلى آفاق ستراتيجية أبعد.
ووفق بيان ثلاثي صادر عن كل من إيران والسعودية والصين، فقد تم الاتفاق على تفعيل إتفاقية التعاون الأمني الموقعة عام 2001، وإجراء محادثات ثنائية بشأن تعزيز العلاقات المشتركة، وإعادة فتح السفارتين في غضون مدة لا تتجاوز شهرين.
هذا التطور يمثل محطة فارقة على صعيد تطور العلاقات الإقليمية، ولا مبالغة في القول أنه ينطوي على دلالات تدفع للقول أنه سيدفع باتجاه إعادة هندسة شبكة التحالفات الإقليمية، إذ أن طي صفحة التوتر بين الخصمين الستراتيجيين اللدودين في منطقة الشرق الأوسط يعني تحريك قطع شطرنج عدة من أماكنها، لا سيما أن هناك نوعا من المواجهات غير المعلنة بين البلدين في ساحات إقليمية أخرى، أبرزها اليمن، وبدرجة أقل لبنان، وقدر كبير من تضارب المصالح والمناكفات الستراتيجية في ملفات أخرى، مثل العراق وسورية.
ردود الفعل التي توالت عقب الإعلان عن الإتفاق تعكس الثقل الستراتيجي للبلدين، وتؤكد أن إتفاقهما يعني الكثير بالنسبة للعالم ودول المنطقة، وقد جاءت ردود الفعل عاكسة لما ينطوي عليه من آثار وتداعيات ستراتيجية ذات صلة بالمصالح الستراتيجية للأطراف جميعها، إقليمياً ودولياً، حيث بادرت أطراف عربية وخليجية عدة إلى الترحيب بالإتفاق.
ماذا يعني الاتفاق بالنسبة للطرفين السعودي والإيراني؟
هذا هو السؤال الذي يبدو من بين أكثر علامات الاستفهام عدة يطرحها الاتفاق، إلحاحاً وأهمية، وفي الجواب على ذلك يمكن القول أن المكاسب الستراتيجية المحتملة للطرفين عديدة، ويمكن في هذا الإطار الإشارة إلى الجانب السعودي الذي سيتيح له الإتفاق تبريد الأزمة اليمنية والدفع باتجاه إيجاد تسوية سياسية يتوقع أن يؤدي فيها الجانب الإيراني دوراً مؤثراً بحكم مايمتلك من دور فاعل في الأزمة، وتأثير على جماعة “الحوثي” المدعومة إيرانياً، والتي تمثل أحد طرفي هذه الأزمة التي دخلت عامها الثامن.
لاشك أن ستراتيجية السعودية خلال العامين الأخيرين تنحو باتجاه منح أولوية مطلقة لملف التنمية وتعزيز تنافسية اقتصاد البلاد، ولهذا يلاحظ تواصل جهودها الديبلوماسية الرامية إلى تبريد الأزمات وطي صفحة الخلافات الإقليمية. فقد بذلت الديبلوماسية السعودية جهوداً كبيراً في سبيل السعي لإيجاد حل للأزمة في اليمن، كما طويت صفحة الخلاف مع قطر، وكذلك مع تركيا، وهنا يلاحظ أن الحوار مع إيران قد بدأ منذ نحو عامين، أي بدأ بالتوازي مع الجهود الديبلوماسية السعودية التي شملت ملفات إقليمية أخرى، ولكنه تأخر بسبب التعقيد الذي يتسم به هذا الملف، وحرص الرياض على أن يكون الحوار مع طهران هذه المرة على أسس ثابتة وراسخة ويؤدي إلى نتائج حقيقية.
من جانب آخر، يمكن القول أن مكاسب إيران، السياسية والستراتيجية، من تهدئة التوتر مع المملكة، لا تقل عن تلك التي تحققها الرياض، وربما تفوق، وهذا ما يفسر حرص إيران الشديد على إستمرار الحوار مع المملكة خلال العامين الماضيين، اذ ترغب في الحيلولة دون بناء تحالف إقليمي ضدها بعد تداول سيناريوهات عن تشكل حلف “شرق أوسطي” على غرار الـ”ناتو”، بمشاركة السعودية وإسرائيل ودول إقليمية أخرى عدة. فضلاً عن أن طهران ترغب في التخفف من عبء الأزمات التي تورطت فيها إقليمياً طيلة في الأعوام الماضية، وتسببت في إستنزاف الإقتصاد الإيراني وتعريض مصير النظام الحاكم للخطر بسبب تفاقم غضب الشعب الإيراني جراء توجيه معظم الموارد المحدودة أصلاً بسبب العقوبات الغربية المفروضة عليها، وتوجيهها إلى تمويل الأذرع والميليشيات الطائفية المواليةلها. فضلاً عما يعنيه تهدئة التوتر مع السعودية على صعيد انفراج عزلة النظام الإيراني، إقليمياً ودولياً، وتعزيز موقفه في مواجهة الغرب وإسرائيل، لاسيما بعد دخول جهود إحياء مفاوضات الإتفاق النووي الإيراني نفق الجمود، وموتها إكلينيكياً، بكل ما يعنيه ذلك من إحتمالات تعرضها لعقوبات غربية أخرى، بسبب موقفها من الأزمة الأوكرانية.
الحوار بين المملكة العربية السعودية يحقق أيضاً مكاسب لأطراف إقليمية أخرى، بخلاف اليمن، أبرزها سورية ولبنان والعراق، حيث يمكن أن يسهم تعاون البلدين في تحقيق الأمن والاستقرار بالعراق، وايجاد تسوية للصراع الدائر في سورية، واستئناف العلاقات بين الرياض ودمشق، فضلاً عن البحث عن مخارج واقعية للازمة المتفاقمة في لبنان، بحكم نفوذ الرياض وطهران داخل أوساط صناعة القرار اللبناني، ولذلك فإن من المتوقع أن تشهد المنطقة خلال الفترة القليلة المقبلة تحركات متسارعة على رقعة الشطرنج الشرق أوسطية، كثمرة مباشرة لتذويب الجليد في العلاقات السعودية ـ الإيرانية.

كاتب اماراتي

You might also like