العلاقات التركية – الإسرائيلية… المقدمات والتوقعات الستراتيجية (2 ـ 2)

0 324

لانا بدوان

انطلاقاً من تاريخ التعاطي التركي مع القضية الفلسطينية لا يبدو أن تركيا جاهزة تحت أي ظرف لأن تتخذ موقف العداء المباشر والمواجهة مع إسرائيل للضغط عليها لأجل إعادة حقوق الشعب الفلسطيني رغم كل مظاهر التهديدات والمشادات السياسية لأنها تعرف أن إسرائيل لديها “لوبيات” وأجهزة قوية جداً في كل أنحاء العالم وتستطيع أن تؤثر على كثير من سياسات حكومات هذه الدول وحتى في مجلس الأمن والأمم المتحدة، وتركيا في الوقت الحالي وبعد عجزها عن التعامل الملف السوري وغيره من ملفات المنطقة خاصة الصراع مع جارتها اليونان التي ساندها معظم دول الغرب عكس تركيا التي لقيت شجبا وتهديدات صريحة من قبل دول الغرب في حال تخطت حدود معينة في شرق المتوسط وهنا يمكن لتركيا أن تعتمد على قوة إسرائيل وفق اعتباراتها لتحقيق مكاسب ما أو على الأقل تمرير بعض الأخطاء أو السياسات التركية دون التوقف عندها أو محاسبة تركيا.
طبعا هذا جزء من كل، وهناك ملفات جداً مهمة كالملفات التجارية والاقتصادية وقضايا الطاقة والتعاون الأمني والتقني العسكري جميع هذه الملفات مهتزة في تركيا وتحتاج إلى إعادة هيكلتها أو على الأقل إيجاد طرف مساند وحليف كإسرائيل وهذا الأمر سيجبر أنقرة على وضع ملف القضية الفلسطينية إلى ما وراء الأساسيات حفاظا على مصالحها القومية وبالتالي ستضطر أن تقدم الأساسيات على الأولويات التي من بينها القضية الفلسطينية.
وفي ظل ارتهان تركيا مستقبلاً للدعم الإسرائيلي ستكون القضية الفلسطينية في السياسة التركية في مهب الريح أمام أي تطور كبير في المنطقة يجعل تركيا تتخذ إما الحياد أو خيار الممانعة السياسية كي لا تخسر ما بنته بدعم إسرائيل وهذا بدأ يتضح بشكل جلي من خلال عمليات الاعتقال والتحقيق مع عناصر وقيادات حركة حماس ومنعهم من دخول تركيا أو ترحيلهم في الفترة الأخيرة بناء على طلب من إسرائيل والأمثلة هنا كثيرة جدا.
في المحصلة النهائية، علاقة إسرائيل من عدمها مع تركيا حالياً تختلف عن السابق بسبب حرائق المنطقة التي يخاف الجميع أن تصل إليه وفي الوقت الذي سيقوم كل طرف بما فيهم الإسرائيلي والتركي بدرء خطر هذه النار عنه تكون القضية الفلسطينية على النفس الأخير حتى يعاد إحياؤها مرة أخرى، لكن كيف؟ لا أحد يمكن أن يتكهن إلا بعد أن يتم وضع الحلقات الأخرى لمسلسل ما يحدث في منطقة الشرق الأوسط ويعتمد على بقاء القوى الداعمة إقليميا ودولياً وعلى رأسها روسيا لحق الشعب الفلسطيني بأرضه ودولته وفي الأساس على الشعب الفلسطيني وقواه وأحزابه وحركاته التي تقف اليوم قبيل الانتخابات على مفرق طرق يحدد مستقبل هذه القضية بناء على مرتكزات ونتائج وتداعيات كل ما تم ذكره آنفاً.
بعيداً عن اي مواقف مُتشنجة تجاه تركيا وسياساتها في المنطقة، لابد من القول بأنها قوة اقليمية كبرى لا يستهان بها، ولها دور ملموس يلاحظه الجميع، ويتعلق بملفات المنطقة من فلسطين الى العلاقات مع “إسرائيل”، تلك العلاقات التي اكتسبت طابعاً تاريخياً منذ قيام “إسرائيل” على أرض فلسطين التاريخية، حين كانت تركيا بقيادة الكمالين “نسبة لمؤسس تركيا الحديثة كمال اتاتورك”، من أولى دول العالم التي اعترفت بقيام “إسرائيل” على أرض فلسطين التاريخية، فقد تأسست العلاقات بين إسرائيل وتركيا، في مارس 1949 عندما أصبحت تركيا أول بلد ذات أغلبية مُسلمة تعترف بدولة “إسرائيل”.
ومنذ ذلك الوقت، أصبحت “اسرائيل”، هي المورد الرئيسي للسلاح لتركيا قبل أن تتطور قدرات تركيا العسكرية في هذا الجانب، وخلال السنوات التي تلت حققت حكومة البلدين تعاونًا مهمًا في المجالات العسكرية، الديبلوماسية، الستراتيجية، كما توافق الطرفان التركي و”الإسرائيلي” طوال السنوات التي امتدت بعد العام 1949 حول الكثير من الاهتمامات المشتركة والقضايا التي تخص الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، ولم يتم تصحيح هذا الموقف التركي ولو جزئياً من القضية الفلسطينية في ظل حالة “السمن والعسل” التي ربطت تركيا بـ “إسرائيل” الاّ بعد سنواتٍ طويلة حين اعترفت تركيا عام 1988 بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل وحيد لشعبٍ موجود هو الشعب العربي الفلسطيني، وتطور الموقف لاحقاً الى اعتراف تركيا بضرورة قيام دولة فلسطين فوق الأرض المحتلة عام 1967 “الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة” وبالتالي سمحت باقامة سفارة لفلسطين في أنقرة.

باحثة في الشأن السياسي ـ موسكو

You might also like