العلاقات التركية – الإسرائيلية… المقدمات والتوقعات الستراتيجية (1 ـ 2)
لانا بدوان
شهدت العلاقات التركية- الإسرائيلية أشكالاً من المد والجزر خلال العقدين الأخيرين من الزمن، والسبب الرئيسي في ذلك يعود لجملة من الأسباب أهمها: أولاً، مواقف حزب العدالة والتنمية، الإسلامي النكهة، بقيادة رجب طيب أردوغان الأقرب الى الاعتراف والإقرار بعدالة القضية الفلسطينية، والوقوف الى جانب الشعب العربي الفلسطيني، خاصة في ظل الانتفاضتين الكبريين الأول نهاية العام 1987، والثانية في العام 2000.
كلنا يتذكر حادثة السفينة مرمرة التركية التي جاءت الى قطاع غزة، وهاجتمها البحرية الإسرائيلية وقتلت على متنها عدد من المواطنين الأتراك المتضامنين مع القضية الفلسطينية، ثانياً، وجود مناخ شعبي عام في تركيا بين ابناء الشعب التركي مؤيد ومساند وبشكلٍ حقيقي الى جانب الشعب والقضية الفلسطينية، لذلك نرى بأن سفارة فلسطين مفتوجة الأبواب منذ سنوات طويلة، حيث تعتبر تركيا من الدول الأولى التي اعترفت بمنظمة التحرير الفلسطينية، وفتحت سفارة لفلسطين فوق أراضيها.
ثالثاً، إن ارتباطات الحكومة التركية مع إسرائيل في التعاون المشترك، وهذا لايتم بشكلٍ خفي بل بشكلٍ مكشوف، فيعود الى التعاون العسكري في مجالات الطيران، وتقنيات سلاح الجو وسلاح المدرعات، حيث تتعاون تركيا مع إسرائيل بنشاط في هذا الميدان العسكري، ولم تنقطع العلاقات بين الطرفين على هذا الصعيد.
رابعاً، وجود عمالة تركية “عمال أتراك” فيإسرائيل، ومهنيين، باعداد كبيرة نسبياً، يوفرون على الميزانية الإسرائيلية مبالغ طائلة مقابل الإتيان من عمال من دول بعيدة شرق آسيا.
وهذا يساعد ايضاً على ضخ الأموال الى تركيا لقاء عمل العمالة التركية، لذلك كانت تركيا حريصة على ابقاء العلاقات مع إسرائيل بالرغم من الموقف التركي المساند ولو اعلامياً الى جانب القضية الفلسطينية.
خامساً، إن تركيا عضو بحلف شمال الأطلسي، وتمتلك القوة العسكرية الأساسية الأكبر في الحلف، كما هي دول اقليمية في المنطقة تحاول أن تلعب دوراً بحجمها، لذلك نراها تتدخل بكل شؤون المنطقة، خاصة في ظل اشتعال المشكلة السورية الداخلية، حيث تلعب تركيا دورا بشكل كبير في هذا المجال، ولها قوات عسكرية تتواجد على مسار نقاط ومواقع كثيرة فوق الأرض السورية. وتعتبر نفسها من الدول المعنية بحل الأزمة السورية، وصاحبة كلمة في هذا المضمار.
سادساً، لتركيا تأثير على مجموعات مسلحة متعددة، سورية، معارضة، وهذا التأثير يجعل من تركيا عاملاً فاعلاً في تقرير شكل الحل في سورية الى جانب الدول الضامنة “روسيا وايران” مع أن الولايات المتحدة تلعب وراء الظل ومن خلال البوابة التركية دون اقحام نفسها بشكلٍ مباشر في تفاصيل ملف الأزمة السورية، في الوقت نفسه تقدم تركيا للقوات الأميركية في العراق وشرقي سوريا كل أشكال المساعدة اللوجستية الممكنة.
وفي المحصلة النهائية، فإن تركيا دولة اقليمية تلعب بالأوراق التي بين يديها، وتعتبر علاقاتها مع إسرائيل مسألة حيوية لها من كل الجوانب، وتحاول أن تحقق نوعا من التوازن في دعمها اللفظي الإعلامي للقضية الفلسطينية وعلاقاتها مع إسرائيل. اليوم وفي ظل المتغيرات الإقليمية والدولية الحاصلة والتي كانت نتيجة طبيعية لأحداث ما سمي “الربيع العربي” على مدى عشر سنوات تقريباً وضعت جميع القوى المتداخلة والمشاركة في لعبة الشرق الأوسط الكبير التي لم تخف تركيا دورها فيها على لسان رئيسها رجب طيب أردوغان الذي قال أنا نائب مدير مشروع الشرق الأوسط الكبير وتحدث عن إعادة إحياء الإمبراطورية العثمانية، التي تطول جيوسياسياً مناطق واسعة في المحيط الإقليمي لتركيا في جميع الاتجاهات في سورية والعراق وشرق المتوسط وصولاً إلى القوقاز والبلقان مروراً بالقرم.
هذا التوسع لا يختلف أبداً عن طموحات التوسع الإسرائيلي في المنطقة مقارباً او موازياً للتركي ولا يتقاطع معه وكأنه مخطط مدبر بشكل مدروس جداً بحيث لا يتقاطع هذا التوسع سلباً وضد مصلحة الطرفين، والأهم هنا أن كلا الطرفين يحتاج الآخر في تحقيق طموحاته التوسوعية إذا لا بد من الاتفاق على قرارات مساندة بخصوص قضايا محورية في أزمة الشرق الأوسط ككل وأولها لب الصراع العربي- الإسرائيلي وهي القضية الفلسطينية، التي تشارك فيه تركيا وحتى إيران تحت عنوان المقدسات الإسلامية وحق الشعب الفلسطيني بمسيحييه ومسلميه في هذه الارض المقدسة وهنا تدخل دورة المصالح التي تستند الى ماهية الموقف من القضية الفلسطينية.
باحثة في الشأن السياسي ـ موسكو