الغضب الأسود

0 291

أ.د. محمد الدعمي

maldaami@yahoo.com

اضطررت للاتصال بأحد اصدقائي من ضباط شرطة مدينة فينكس في ولاية أريزونا، بهدف تحذيره من عمليات الغدر والهجمات الاعتباطية لإيذاء ضباط الشرطة هناك على نحو متعام، وهي تلك الهجمات التي راح المكون السكاني الأسود من الشعب الأميركي ينفذها بعد جريمة قتل “العملاق الناعم”، “جورج فلويد”، كما أخذ يسميه أهله واصدقاؤه، خنقاً.
والحق، فان هذه الصفحة من “ثورة الزنج” المتجددة والجارية الآن عبر الولايات المتحدة الأميركية ماهي إلا حلقة من سلسلة انتفاضات طويلة بواعثها “جرائم الحقد” Hate Crimes التي جرت وتجري ضد الأقليات الملونة والعنصرية والدينية في الولايات المتحدة الأميركية، خاصة على عهد الرئيس دونالد ترامب.
وإذا كانت استجابة صديقي الضابط طيبة ومطمئنة، باعتبار أنه من اصول عربية ومسلمة لا تميز “كما يفعل البيض الشقر هناك” ضد هذه الأقليات، فاني لاحظت على مسامعه بأن انفجار الغضب الأسود الآن، لا يشكل خطراً مباشراً عليه، كضابط، ولكنه يشكل خطراً حقيقياً على الجميع من أقرانه لأنه يأتي من استثمار عصابات الجريمة والأذرع الصدامية للأقليات الخارجة على القانون ما يمكن أن يطلق عليه عنوان “الغضب الأسود” ضد المؤسسات عامة، على سبيل استهداف ضابط الشرطة بجريرة مافعله ضابط شرطة واحد بمدينة “مينيابولس” من جريمة قتل لرجل أسود دون وجه حق.
أما ما ينبغي أن يقلق أجهزة فرض القانون والنظام هناك، فيتجسد حسب رأيي، ليس بالغاضبين السود فقط، ولكنه يتجسد كذلك فيما هو أكبر وأكثر مشقة، أي فتح الأبواب أمام كل من له مشكلة مع قوى الأمن الداخلي للتنفيس عن أحقاده على هذه القوى وعلى ما ترمز إليه من نظام ديمقراطي وقانوني يعمل، كما تعمل “الساعات السويسرية”، بكل دقة وبتواصل لا يقبل الانقطاع أو الاختلال، ذلك أن اي ضعف قد يصيب قوى الأمن في أميركا يطلق العنان لمارد النهب والفوضى و”الفرهود” والصدامات الأهلية عبر المدن الأميركية الكبرى، وبخاصة تلك التي تشبه “علبة السردين” في ازدحامها، كما جرى ذلك في مهاجمة أكبر المتاجر والحوانيت خلال الليالي التالية لمقتل “فلويد”.
هذا، وبكل دقة، هو ما يخشاه الرئيس دونالد ترامب وهو مقبل على انتخابات رئاسية غدت قاب قوسين أو أدنى، إذ يمكن للفوضى وللاحتجاج الاجتماعي أن يطيح بآماله في ولاية رئاسية ثانية.
إن مارد الغضب الأسود والفوضى العارمة يطل برأسه ثانية الآن، والإخفاق في ضبط الأمن وإدارة المدن الكبرى، مضافا إليه إخفاقات “الحرب ضد كورونا”، كل ذلك يهدد بالقضاء، ليس على آمال الرئيس ترامب، وإنما على آمال سواه، اياً كان، في السيطرة على المدن الكبرى المكتظة وإدارة البلاد على نحو سلمي، بغض النظر عن الآمال والإدارة.
كاتب وباحث أكاديمي عراقي

You might also like