الفجور في الخصومة

0 477

سلمان بن محمد العُمري

alomari1420@yahoo.com

تناولت في فترة سابقة عدداً من السلوكيات الخطأ التي يرتكبها البشر، وكانت ضمن سلسلة خرجت في كتاب أسميته «سلوكيات يرفضها الإسلام» قرابة ستمئة صفحة، وأكد أحد المحامين أهمية ما تناولته في فترة ماضية وأثنى عليه من كان في المجلس الذي ضم بعض القضاة والمحامين، وكان مدار الحديث معهم جميعاً عن هذا الموضوع، والمشكلة السلوكية التي تشهدها المحاكم وتحكي بها المجالس الخاصة والعامة، هي الفجور في الخصومة من ذوي الأنانية، ومحبي الذات وأصحاب النفوس المريضة الذين لا يرون الحق إلا معهم فيفجرون في خصومتهم، ويتجاوزون الحد ويبغون على الناس، هذا التصرف البذيء قولاً وعملاً هو من السلوكيات المشينة التي حذرنا منها شرعنا الكريم، ونهانا الإسلام عنها، بل بلغ من التحذير فيها أنها جعلت علامة من علامات النفاق، والعياذ بالله، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:»أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ»، رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي.
وقد وصف الله تعالى من يفجر بالخصومة بالألد، حيث قال تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ) «204»سورة البقرة.
وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ أَبْغَضَ الرِّجَالِ إِلَى اللَّهِ الْأَلَدُّ الْخَصِمُ» الجامع الصحيح.
المشكلة أن الفجور في الخصومة مع ما فيها من عدم الإنصاف ومن التطاول والبغي والظلم والابتعاد عن الحق والاحتيال في الانتصار للنفس بحق وبغير حق، على الرغم من كل هذا فإن المتخاصمين قد يكونان من الشركاء الذين أمضيا مدة في شراكة مالية أو بين زوجين قضيا سنوات من عمريهما في عشرة زوجية، وربما أثمر زواجهما عن أولاد، ولا يقف الخلاف عند حد مشروع، فتصل إلى القطيعة بين الأرحام والأصحاب والهجر والتباغض والتدابر، كل هذه الحالات مؤلمة في الابتعاد والاختلاف والتنافر، فكيف بالتخاصم والتطاول والبغي قولاً وعملاً ؟!
والملاحظ مع الأسف أن بعضاً من المتخاصمين لا يكتفي بحقه إن كان له حق، بل يؤلب على خصمه ويقلب عليه، وينبش عن مساوئه وماضيه، فينشرها ويهتك الستر وينشر القبيح ويخفي المليح، وقد يزيد على ذلك بأن يتقوّل عليه مالم يقله، وينسب إليه ما ليس فيه، ويمعن في الإساءة إليه في كل وادٍ ونادٍ، وينسى أو يتناسى ما بينه وبين خصمه من الود والمعروف السابق وكل هذا من العقوق، نسأل الله العافية.
وقد اتفق المحامون والقضاة على ما لدى بعض الخصوم من فجور، فمنهم من يأكل حق الوارثين بالباطل، ويزيد عليها بالإساءة إليهم، والاحتيال عليهم لصرف النظرعن حقوقهم، وبخاصة حقوق البنات كأكل الإخوة من إرث البنات، ومن الأزواج عند الخلاف، وقبل وقوع الطلاق وعقبه، وفي أثناء المطالبة بالخلع يكيل التهم والسباب والشتائم انتصاراً للنفس وهوى الشيطان ومجانبة العدلِ والإنصاف والحق ونسوا قوله تعالى :(فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ) (229) سورة البقرة. والطلاق أمر مشروع إذا استحالت العشرة الطيبة، ولكن هناك من لا يعيش إلا على النكد والمنغصات، ولا يهنأ إلا بالنيل من الخصوم بشتى الطرق والوسائل، ولم يستحضر أن الله سبحانه وتعالى يمهل الظالم ولا يهمله.
والفجور في الخصومة لا يقف عند المطالب المالية والدنيوية، فهناك فئة من البشر تتعصب لرأيها وتكيل العداء والسباب والشتائم، ويدخل في النوايا لمن خالفه في رأي أو مسألة دينية ودنيوية ويطلق الشائعات ولايتورع، عن إرسال الاتهامات، ولايتحلى بآداب الإسلام في الخلاف والاقتصار على إثبات ما يدعيه بوسائل الإثبات المشروعة، أو دفع ما يتهم به بوسائل الدفع غير الممنوعة، وقد جهل هذا المتعامي عن الحق والخلق الفاضل الذي وقع من الصحابة ، رضوان الله عليهم، من تباين في الفهم لمقصود الرسول صلى الله عليه وسلم في صلاة العصر في بني قريظة، فمنهم من صلاها في وقتها في الطريق، ومنهم من صلاها على ظاهر الأمر في المكان المحدد وعقب وقتها، وقد اختلف الصحابة، رضوان الله عليهم أجمعين، في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت لهم مدارس مختلفة في الفقه والفهم بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، كما اختلف التابعون من بعدهم، وكذا الفقهاء والأئمة الأعلام من سلف هذه الأمة، وسير العلماء من السلف الصالح إلى وقتنا المعاصر شهدت احترام الرأي الآخر، وتقدير المجتهد فمن اجتهد فأصاب فله أجران، ومن اجتهد فأخطأ فله أجر واحد.
إذاً كل مجتهد وإن خالف صاحبه، له أجر المجتهد فلم التعصب والنزاع؟ كما نرى عينات من بعض الأنانيين ومعظّمي الذات وأصحاب الشخصيات النرجسية لا يرون الحق إلا معهم ويشنعون على الآخرين، ويبغون عليهم لمجرد الاختلاف في الرأي، وتناسوا قوله تعالى: (قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ) «24» سورة سبأ، وهذا من آداب الخلاف.
كاتب سعودي

You might also like