المؤسسات البحثية في ميزان
غازي احمد العنزي
تطرقت في مقالة سابقة الى دور البحوث العلمية في تقدم المجتمعات، وكيف يكون شكل الدول التي تهتم بها في نظر المجتمع الدولي، وكيف من خلالها لمجتمعاتها أن تتقدم على الدول الاخرى، ويتم استثمارها للمجتمعات الاخرى مما يجعلها مصدر دخل اساسيا لها، وايضا عنصر قوة وتحكم بالاخرين.
فما حكمت الولايات المتحدة الاميركية العالم الا من خلال حاملات طائراتها، ومن خلال شركات المبتكرة في شتى المجالات، فالاهتمام في الجانب العلمي يجب ان يحوز على اهتمام رفيع المستوى، ومراقبة من البرلمان، وتنفيذ من السلطة التنفيذية.
لدينا اكثر من مؤسسة من اهدافها العناية في الحركة البحثية العلمية، إلا أنها شبه معطلة، او لا فائدة واقعية منها، فمثلا جامعة الكويت هي جهة من جهات رسمية عليها عبء العناية في البحث العلمي، والحرص عليه من خلال طلاب الجامعة انفسهم، او حتى دكاترة الجامعة.
وفي السابق كانت ميزانية الدولة للبحوث العلمية تتجاوز 95 مليون دينار، لكن تم وقف هذه الميزانية لكنها اصبحت اليوم اقل من 15 مليون دينار سنوي!
لا ارى سببا لهذا التصرف الا ان الدولة لا تؤمن بالحركة البحثية، أو انها تعلم ان ما يقدمه الكثير من الباحثين ما هو الا قص ولصق من بحوث اخرى يقدمونها لجهات عملهم، ليس من اجل العلم والتقدم، انما من اجل الترقية الوظيفية او المنفعة المالية.
اما مركز الكويت للابحاث فهذه المؤسسة الاخرى، وهي المفترض ان يكون من ابجديات عملها البحث العلمي، فلم تقدم ما يغني المجتمع من بحوث.
ومركز الكويت للتقدم العلمي ليس بعيد جدا عن سابقيه فهو يدور في فلك تقصيري ذاته، دون جدوى فعلية من اعماله، او ترجمة واقعية للدراسات العلمية التي يقدمها.
كذلك الجامعات الخاصة ليست بمعزل عن قذائف النقد بسبب التقصير في الجانب البحث العلمي، فلم تقع يدي على بحث علمي رصين، او تجربة عادت بالنفع علي الدولة، رغم انها تحظى بدعم سخي من الدولة، وامتيازات مليونية قل نظيرها في كثير من الدول المحيطة، لكن رغم أن العائد العلمي والبحثي لتلك الجامعات في الدول الاخرى اعلى بكثير مما تقدمه الجامعات الخاصة في الكويت، بل وازيد هناك جامعات خاصة لم تقدم اي بحث علمي واحد منذ تأسيسها.
هل المشكلة من الفرد الكويتي، لا استطيع ان نقول ان المواطن يقع عليه اللوم والتقصير، والدليل ان طلابنا واطباءنا ومهندسينا في الخارج يقدمون اروع الصورة من خلال عطائهم العلمي، منهم من حصل على براءات اختراع من دول متقدم، واخرون حصلوا على جوائز رفيعة المستوى لابحاثهم التي باتت تدرس في اعرق الجامعات الاوروبية، لذلك لا اتصور ان المواطن عاجز او مقصر، اذا اين المشكلة؟
في تصوري تكمن المشكلة في البيروقراطية في مراكز البحث العلمي، وعدم مهنية البعض منهم، وجدية التعامل مع البحوث المقدمة، وعدم رعاية الباحثين وتبنيهم علميا، وتهيئة الظروف لهم لتقديم اسهاماتهم الفكرية.
اضف الى ذلك عدم وجود تشريع يلزم بمقتضاه الجهات التنفيذية في البلاد باعطاء التفرغ للموظفين لانجاز ابحاثهم العلمية على غرار التفرغ الرياضي، وعدم وجود مجلات علمية متخصصة وطنية كافية، وتغطي شتى مجالات العلوم لنشر ابحاث المواطنين، وتكون منافسة للحصول على السمعية في الاوساط العلمية العالمية، وتكون قبلة لكل الباحثين لنشر بحوثهم فيها وتحكيمها من قبل اكبر دكاترة العلوم في العالم.
لدينا تجربة فعلية كانت ناجحة ورائدة في الادب، وكانت نواة الكتاب لنشر مقالاتهم فيها، وهي مجلة “العربي”، والتي حازت على السمعة الادبية العالية، وبات صيتها مذكورا من نواكشوط غربا إلى اليمن شرقا إلا ان حكومتنا، مع الاسف، كعادتها لا تحافظ على كل ما هو جميل في البلاد.
محام كويتي
@almo7ami_ghazi