المساعدة في الأزمات واجبة
د. لويس حبيقة
تؤثر الأزمات على كل شيء فتضرب المادة كما المعنويات، وتمر منطقتنا العربية بأزمات كبيرة تتنقل من دولة الى أخرى وتأخذ أشكالا مختلفة تبعا للوقائع والقيادات، وفي الأزمات تزيد الحاجات المادية وترتفع مؤشرات الفقر ويصبح العطاء أيا كان مصدره مهما جدا ويقدر كثيرا من قبل المستفيدين.
هنالك مجتمعات يزيد فيها العطاء وأخرى يكون فيها نادرا تبعا للثقافة والتقاليد والتاريخ كما الأديان، كي يكون العطاء مرتفعا، يجب أن يتكون المجتمع من مواطنين يرغبون بالتضحية، اذ لا يمكن فرضه على أحد، وثقافة العطاء ليست فقط ثقافة خير وأخلاق، انما أيضا أكثر فأكثر ثقافة أعمال ونجاح في معترك الحياة المهنية.
ثقافة العطاء هي طريق النجاح في القرن الواحد والعشرين أكثر بكثير من أي وقت مضى لأن الحاجة اليها اليوم أكبر بكثير من فترة ما قبل «كورونا»، علما اننا لم ننته منها بعد.
على المدى الطويل وتبعا للتجارب، العطاء هو مصدر النجاح في معترك الحياة والأعمال.، يمكن القول أن المواطن ينجح أكثر عندما يكون أفضل تجاه النفس والغير والمجتمع، وركيزة النجاح المهني المتواصل تعتمد على مساعدة الآخرين وبخاصة المقربين، فالنجاح هو حلقة فاضلة تفيد كل المجتمع.
أهمية العطاء في مجتمعاتنا ارتفعت بسبب توسع فجوة الدخل والثروة، والمنافسة القوية وانفتاح الحدود وغياب الرقابة وتزايد الأزمات ساهمت كلها في زيادة الحاجة الى المساعدات وبالتالي لوجود أصحاب عطاء خيرين وقادرين.
يقول الاقتصادي «توماس بيكيتي» أن موضوع عدم المساواة واعادة توزيع الايرادات هو في قلب الصراعات السياسية والاجتماعية في كل الدول. هو الصراع الحي بين أرباب العمل والعمال، الصراع القوي بين الأقلية الغنية والأكثرية الفقيرة في كل الدول والمناطق.
هنالك من يقول إن عدم المساواة أو الفجوة المادية نتجت عن تقصير الخاسرين أو عدم الكفاءة في المنافسة في القطاعات الاجتماعية والمهنية «الفقير من يده»كما يقول البعض وبالتالي هو غير مظلوم، بل مشكلته هي سوء الكفاءة وضعف الانتاجية ولا مكان للقطاع العام لتحسين النتائج. هنالك معارضون لتلك النظريات وهو ما يشكل عموما اليسار السياسي الذي يدعو لتدخل القطاع العام في تصحيح التوزيع الظالم. هنالك خلافات حتى ضمن الفريق اليساري حول طرق اعادة التوزيع أي بالقوانين أو بالفرض أو عبر الحوار الاجتماعي السياسي أو غيرها.
أكثر المتضررين من عدم المساواة هم أصحاب الأجور لأن دخلهم لا يمكن أن يلحق بمؤشر ارتفاع الأسعار وتحسين الأجور في غياب العرض يرفع الأسعار مجددا وبالتالي يدخل المجتمع في حلقة آجر- أسعار مدمرة. في ظروف كهذه من الأفضل تحسين الضمانات الاجتماعية للمواطن كي يستطيع انفاق الآجر على الأمور الأهم. من الممكن رفع تعويضات النقل والطبابة والمدرسة والسكن وبالتالي يمكن أن ينفق المواطن دخله على أمور العيش العادية كالغذاء والتدفئة. المدهش أن فجوات الدخل والثروة هي أكبر في الدول النامية من المتقدمة، وبالتالي يصبح التوزيع ضروريا لكنه لا يتم بسبب الحواجز السياسية القوية القائمة.
هنا تلعب النقابات العمالية دورا كبيرا في التصحيح شرط أن لا تعمل لمصلحة رأس المال وبالتالي تضر الطبقة الاجتماعية التي انتخبتها والتي من المفروض أن تعمل لصالحها. في الدول المتقدمة، هنالك فروقات كبيرة بين الوضع الاسكندنافي مثلا والوضع الأميركي الشمالي حيث يعاني الفقير أكثر بكثير في الولايات المتحدة مما هو الحال في النروج. هنالك قروقات كبيرة في الواقع والسياسات والعقليات والرغبة في التصحيح والعطاء.
خبير اقتصادي