المصالح تحتاج إلى عالم متعدد الأقطاب

0 139

الشيخة حصة الحمود السالم الصباح

“في السياسة ليس هناك عدو دائم أو صديق دائم، هناك مصالح دائمة”، هذه المقولة السياسية الشهيرة، سواء اتفقنا أو اختلفنا حول مدى صحتها، تبقى حقيقة ثابتة منذ فجر التاريخ، فالإنسان دائمًا يبحث أولاً عما يؤمّن له بقاءه وأمنه ورخاء عيشه ثم يرتب بعدها أولوياته بما تقتضيه أيضًا مصلحته ولن يُؤْثِر مصلحة الآخرين عليه إلا في مخيلة الحالمين بالمدينة الأفلاطونية الفاضلة، أو منشورات الحكم والمواعظ في العالم الافتراضي على شبكات الإنترنت.
لذلك واقعيًا نعيش في عالم لم ولن يعترف بالمثالية وبخاصة في السياسة والاقتصاد نظرًا لسرعة الأحداث وتقلبها وما يتبعها من تقلب المواقف وفقًا لما يقتضيه الظرف الراهن من الحسابات المعقدة والمتقاطعة.
لقد جاء قرار منظمة ” أوبك بلس” بخفض إنتاج النفط بمقدار 2 مليون برميل يوميًا هو تعبير حقيقي لما سبق ذكره في مقدمة المقال، وهو القرار الذي تعتبره الإدارة الأميركية دعمًا من دول المنظمة لروسيا في الحرب الأوكرانية بل واعتبره أعضاء في الكونغرس الأميركي عملا عدائيًا ضد الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين، إلا أن ممثلي دول منظمة الأوبك يرون في هذا القرار خطوة استباقية لتأمين سعر النفط وخلق توازن بين العرض والطلب في ظل توقعات بالركود الاقتصادي المحتمل في العام القادم على أقل تقدير.
ولكن يرى بعض المحللين أن القرار له بعد سياسي آخر وهو أن دول الأوبك تريد إضعاف موقف إدارة بايدن وحزبه الديمقراطي قبل الانتخابات النصفية للكونغرس وتقوية جبهة الجمهوريين وأيضا إنهاء هيمنة أميركا والنظام العالمي ذي القطب الواحد وخلق نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب تُراعى فيه لعبة توازن المصالح، ويبرز في هذه الأحداث موقف المملكة العربية السعودية والتي اتهمتها الإدارة الأميركية صراحة بالانحياز للموقف الروسي، وبالغ بعض أعضاء الكونغرس في رد الفعل بضرورة سحب القوات الأميركية من الشرق الأوسط، ووقف صفقات التسليح للمملكة العربية السعودية، ولكن الوضع الحالي يؤكد أن المملكة وأشقاءها من دول الخليج وأعضاء منظمة الأوبك لن يلتفتوا كثيرًا لصياح إدارة بايدن وتهديداتهم، وبخاصة أن السعودية والإمارات أصبتحا تتمتعان بثقل دولي ونفوذ سياسي واقتصادي لا يستهان به، ومصدر قوة لمن يتحالف معهما وأصبحت منطقة الخليج هي المنطقة الجغرافية الأهم، وأثناء كتابة هذا المقال يقوم رئيس دولة الإمارات سمو الشيخ محمد بن زايد بزيارة إلى موسكو للتباحث مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لمحاولة التوصل لحل سياسي في الأزمة الأوكرانية يجنب العالم كوارث الحروب، وأيضًا هناك جهود ديبلوماسية قطرية في الشأن نفسه.
والسؤال الموجه للجبهة الداخلية في وطني العزيز الكويت والمتصارعين والمنقسمين حول مجلس الأمة، إلى متى سنظل غارقين في مشاكلنا الداخلية وأشقاؤنا يصنعون التاريخ على المستوى العالمي؟! ماذا جنينا من مناخ الديمقراطية والحرية إن كنا نسيء استغلالها بهذا الشكل الذي يؤخرنا كثيرًا ولا يقدمنا خطوة واحدة للاستقرار؟! ومتى نوحد جبهتنا ونعلي مصلحة الوطن لكي نعيد الكويت لمكانتها المرموقة على المستويين الإقليمى والعالمي ككيان فاعل في مسرح السياسة الدولية بما يليق بظروف المرحلة الراهنة ؟
أشقاؤنا في مملكة البحرين وسلطنة عمان يعملون في صمت لنهضة أوطانهم، وقطر ستنظم كأس العالم الشهر المقبل كأول دولة عربية وإسلامية تنظم هذا الحدث الكبير،أكثر دول العالم الآن توحد جبهتها الداخلية من أجل تحالفات إقليمية ودولية تمهيدًا لتحديات مستقلبية سياسية واقتصادية. لطالما دافعنا عن الحرية والديمقراطية في مقالاتنا، ولكن إن كانت الحرية بهذا الشكل الذي تتقدم فيه المصالح القبلية والحزبية والطائفية على مصلحة الوطن وعموم الشعب الكويتي فلتذهب هذه الديمقراطية غير مأسوف عليها لكي تخلو الساحة من الانتهازيين؛ نتمنى عودة الكويت إلى مسارها الطبيعي المعروف في هذه المرحلة التاريخية الدقيقة. وفي ختام مقالنا هذا نتوجه بالدعاء إلى المولى عز وجل بأن يمتع والدنا حضرة صاحب السمو الشيخ نواف الأحمد الصباح أمير البلاد وولي عهده الأمين صاحب السمو الشيخ مشعل الأحمد الصباح ـ حفظهما الله ورعاهما ـ بموفور الصحة والعافية وأن يعينهما على ولاية أمرنا وقيادة سفينة الوطن إلى بر الأمان وأن يرزقنا سبل الهداية والرشاد.

كاتبة كويتية

You might also like