المغتربون والحوار…والأمل في علاج العوار(1 من 2) علشانك يامصر
فوزي عويس
المصريون العاملون في الخارج ثروة للوطن بكل المقاييس فتعدادهم قارب 15 مليون مواطن، وهؤلاء يعولون ثلاثة أضعافهم على أقل تقدير، وقد شربوا حب وطنهم مع حليب امهاتهم، ولاينقصهم الولاء لبلدهم، كما قال وزير المالية الأسبق الدكتور محمد الرزاز، كما لا ينقصهم الاندماج في نسيج مجتمعهم، كما شخص حالتهم رئيس الوزراء الراحل الدكتور أحمد نظيف.
هؤلاء المغتربون تمثل تحويلاتهم المالية أهم مصادر الدخل القومي لمصر بعد النفط وقبل “قناة السويس والسياحة” بفارق كبير، وهذه التحويلات آخذة في الزيادة سنويا، وقد حققت العام الماضي( 2021) رقما غير مسبوق، بلغ والعهدة على البنك المركزي ومركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، أكثر من 31 مليار دولار، ورغم ذلك فإن العلاقة بينهم وبين الدولة ليست في أفضل حالاتها، إذ تفتقد الى ستراتيجية واضحة المعالم تضمن أكبر استفادة ممكنة بين الطرفين.
نعم هناك وزارة للهجرة وشؤون المغتربين جاءت كإحدى ثمار ثورة 30 يونيو، وأيضا هناك لجنة شكلها مجلس الوزراء لمتابعة مشكلاتهم فضلا عن قطاع قنصلي يرعى شؤونهم بوزارة الخارجية، ورغم هذا وغير هذا، لا يزال هناك عوار وقصور في تعامل الدولة معهم، وقد آن لهذا العوار أن يعالج، ولذاك القصور أن يصبح جزءا من الماضي في ظل “الجمهورية الجديدة” التي أرسى، وما زال يرسي، دعائمها الرئيس عبد الفتاح السيسي، وعليه فإنهم ينبعي وبالضرورة أن يكونوا في قلب الحوار الوطني الذي تم تدشينه قبيل أيام، لكي يمكن تحقيق معادلة “أكبر استفادة متبادلة ممكنة”، فليس من الإنصاف أن يستفيد المغتربون من الدولة ولايفيدونها، أو أن تتوقف استفادة الدولة عند حد تحويلاتهم فقط، رغم أنها تستطيع أن تستفيد منهم أكثر وأكثر، خصوصا في ظل التحديات الاقتصادية التي تواجهها.
ولعل الواقع يؤكد أن استثماراتهم في وطنهم ليست بالطموح المأمول، وعلى صعيد السياحة، فإن أعدادا كبيرة منهم باتت تفضل السفر الي وجهات أخرى رغم ما في بلدهم من مقومات سياحية مدهشة، للقاصي والداني، وحتى العلاج لا زال منهم من يقصد بلدانا أخرى لأجله.
في المقابل فإن المغتربين لهم مطالب عدة لا أرى أن تحقيقها مستحيلا، خصوصا ازاء مطلبهم بضرورة نقل جثامين موتاهم على نفقة الدولة، وهو مطلب عادل وموغل في الإنسانية، كونه يحفظ كرامة الأحياء ويحترم حرمة الأموات.
وكذلك مطالبهم على صعيد التعليم وتحديدا في ما يتعلق بنسب قبول أبنائهم في الجامعات، لا سيما المقيمين منهم في الدول العربية، وهم الأكثرية.
كذلك مسألة الإعفاءات الجمركية والخدمات القنصلية، وحتى على صعيد حقوقهم السياسية في التصويت والترشح للانتخابات، التي بحت أصواتنا وجفت أحبار أقلامنا ونحن نطالب بها في كل المحافل، وقد كنت شخصيا في طليعة الذين دأبوا على هذه المطالبة قرابة ثلاثين عاما قضيتها في الكويت، من خلال مقالاتي، وتحقيقاتي الصحافية، وصرخاتي وزملائي أمام الوفود والمسؤولين الذين كانوا يزورون الكويت حيث كنت أعمل، حتى كاد اليأس يأخذ مأخذه منا.
أذكر أنني قلت للدكتور أحمد فتحي سرور في لقاء تم بالسفارة بينه والوفد البرلماني وبين كوكبة من أبناء الجالية المصرية في الكويت، وبحضور السفير المصري السابق عبد الرحيم شلبي “اذا كانت هناك شعارات مرفوعة مثل الأرض مقابل السلام، والنفط مقابل الغذاء، فإنني أخشى أن يواجهكم المغتربون يوما ما بشعار الانتخابات مقابل التحويلات”.
الحق أنه لم تكن هناك ارادة سياسية لمنح هذا الحق للمغتربين والذي تحقق بموجب حكم قضائي نهائي صدر بعد ثورة يناير 2011، أبى المشير طنطاوي، طيب الله ثراه، الا أن ينفذه تناغما مع العهد الجديد، وربما خشية من الطعن في شرعية مجلس الشعب المنتخب حال عدم تنفيذ الحكم.
لكن لا زال هناك عوار في التنفيذ، وقد نأتي على ذلك فيما بعد، ولكي أكون عمليا فإنني أتقدم للقيمين على الحوار الوطني بمقترح من محورين، من شأنه أن يحقق الفائدة المتبادلة المأمولة بين الدولة والعاملين في الخارج، أولهما انشاء شركات مساهمة، والآخر اعتماد نظام النقاط في التحويلات، وسأخوض في التفاصيل في المقالة المقبلة ان كان في العمر بقية، إلا أنني أود أن أشدد على ضرورة انتقاء ممثلي العاملين في الخارج الذين يشاركون في الحوار بعناية فائقة، وبحيث يكونوا من أهل الميدان أولا، وعدم الاكتفاء بنواب المغتربين الذي يعيشون حالة غربة مع المغتربين، وهذا موضوع آخر، والله من وراء القصد
* * *
آخر الكلام: مصر جميلة فلنجعلها بالأمل المقرون بالعمل أجمل وأجمل.
كاتب مصري