انتهاك القانون بحق المسنين
د.كاظم بوعباس
أخطر ما يواجه منظومة العدالة أو القانون في أي مجتمع، هو أن يتم انتهاكه من قبل القائمين على تنفيذه أو تطبيقه، فلا شك أن تأخير أو تعطيل أو الامتناع عن تنفيذ القانون والأحكام والقرارات القضائية يندرج تحت عنوان عريض هو انتهاك حكم القانون، بما يمس بمبدأ سيادة القانون من قبل القائمين على تنفيذه، ويشكل كذلك مساسا بالفصل بين السلطات وهما الركيزتان الاساسيتان للدولة الحديثة والحكم الرشيد.
فمن المظاهر الاساسية للمجتمعات المدنية الحديثة، احترام الدولة بجميع أجهزتها وخضوعها لحكم القانون واحترام الحريات وحقوق الانسان، ولذلك قيل بحق: ان الامتناع عن تنفيذ حكم القانون أو تعطيل تنفيذه دون مسوغ قانوني أو واقعي، مخالفة قانونية صارخة، ومظهر لا يليق بالنظام السياسي والاجتماعي المتحضر، لانه يؤدي الى إشاعة الفوضى، وفقدان الثقة بسيادة القانون، واقامة سلطان الحكم المطلق للجهات الادارية، كما يؤدي الى انهيار ثقة المحكومين وافراد الشعب في حكم القانون واضاعة لهيبته، وبالتالي اثارة كوامن السخط، وخلق شعور عام بالتبرم من طرف الجميع، ما يسبب حرمان الوطن من العطاء، إذ إن المتبرم لن يعطي، ولا يتصور أحد أن ذلك الامر يسير في حالتنا هذا بدعوى ان المسن توقف عطاؤه، إذ إن الفهم الصحيح للأمور يقتضي إدراك ان الرسالة السلبية التي تصل من جراء الامتناع عن الوفاء بحقوق المسنين لن يتوقف تأثيرها على المسن، انما سيتعداه الى غيره ممن ينظر الى ما ستؤول اليه حاله مستقبلاً، بما يخلف لديه احباطا وضيقا، لذلك نقول ان انتهاك حقوق المسنين يمس السلم الاجتماعي.
إن سلوك المسؤول الممتنع عن تطبيق القانون ليس مجرد سلوك سلبي، وانما هو سلوك يخالف ما هو مفروض على الممتنع ان يقوم به، او بعبارة اخرى نكول منه عن الوفاء بواجباته والتزاماته القانونية، ولذلك قيل ان سلوك الممتنع يدل بعد انكاراً لحقوق الاخرين ومن ثم يسبب المساس بمصالح المجتمع.
وتتعدد صور الامتناع عن تطبيق القانون، اما بتعمد وضع العراقيل النظرية الوهمية التي يراد من خلالها تصور ان هناك معوقات ترقى الى حد الاستحالة في اعمال النص القانوني، او تعمد تفسير النص القانوني تفسيرا مجافيا للواقع والقصد المشرع من وضع النص وتبنى تفسيرات ما انزل الله بها من سلطان بهدف الافلات من الاستحقاقات التي أوجبها القانون.
من امثلة ذلك ما عمدت اليه وزارة الشؤون الاجتماعية في تفسيراتها لاحكام القانون رقم 18 لسنة 2016 بشأن الرعاية الاجتماعية للمسنين، ولائحته التنفيذية، فتارة تتجاهل احكام والقانون، وتتهرب من تنفيذ الاستحقاقات التي قررها للمواطنين، وتارة تتعلل بأنها بحاجة للتنسيق مع وزارات اخرى كوزارة الداخلية لتنفيذ بعض احكام القانون رغم عدم صحة ذلك.
فإذا كان القانون كفل للمسنين عدد من الحقوق الاساسية، والزم الجهات الحكومة المعنية اتخاذ الاجراءات اللازمة لضمان استفادة المسنين من الخدمات العامة، فأوجب عليها توفير عدد من الخدمات للمسنين من بينها توفير وتخصيص مواقف لمركبات المسنين في المرافق التي يرتادها المسنون، ومن ثم يجب على جهة الادارة الوفاء بالتزامها القانوني وعدم الامتناع عن ذلك، اذ يعد امتناعها نكولاً منها عن الوفاء بواجبها الدستوري والتزامها بانفاذ القوانين وتطبيقها، فالقانون صدر لاعماله بواجبها وليس لاهماله، ولا يحق لجهة الادارة وضع العراقيل التي تفرغ نصوص القانون من مضمونها كاشتراط ان يعرض المسن على لجنة طبية لتقديم خدمة مواقف السيارات له، فطالما بلغ الكويتي السن التي تحددها القانون لاكتساب وصف المسن اصبح صاحب مركز قانوني موضوعي ناشئ مباشرة من احكام القانون، دون حاجة الى العرض على لجنة طبية، فتلك عراقيل وبيروقراطية تعطل انفاذ القانون، وتفرغه من مضمونها وهو ما يقيم المسؤولية القانونية للمختصين بجهة الادارة بالاضافة الى مسؤوليتهم القانونية، والقول بغير ذلك يجعل القانون حبراً على ورق، ويخل بالتزامات الكويت الدولية.
يجب على وزارة الشؤون الاجتماعية تقديم جميع الامتيازات والتسهيلات المناسبة للمسنين ولا سيما تمتعهم بالاولوية في الاماكن العامة وتخصيص اماكن ايواء سياراتهم في المواقف العامة والمراكز التجارية وتوفير وسائل تيسير حركتهم ان كانوا معوقين او عاجزين ومنحهم التخفيضات المناسبة في الرسوم وفي وسائل المواصلات البرية والبحرية والجوية وعضوية الاندية وسائر المؤسسات التي تقدم الخدمات الاجتماعية والترفيهية والرياضية وما الى ذلك.
ويجب على المختصين في وزارة الشؤون الاجتماعية ان يتخذوا الاجراءات الكفيلة بضمان وصول الخدمات للمسنين، وفاء بالواجبات الدستورية الملقاة على عاتقها كما يجب ان نعمل على سيادة مبدأ احترام القانون وعدم المساس به باعتباره من ضمانات حسن سير العدالة وسيادتها في المجتمع. ويجب على الغيورين على السلم المجتمعي وسيادة القانون القيام بدورهم في الوقوف امام كل من ينتهك او يعيق او يماطل او يؤخر او يمتنع عن تنفيذ اي نص قانوني. لذلك، يجب ان يبادر الوزير المختص الى تطويق المشاعر السلبية الناجمة عن عدم وصول الحقوق القانونية الى اصحابها وان يبادر الى اطفاء لهيبها قبل ان تستعر وتشتد وان يصدر تعليمات عاجلة وفورية وعلى وجه الاستعجال بوجوب تفعيل احكام القانون واحترامها.
مستشار قانوني