انها قطر ايها السادة…تعلموا اتجاه الصميم
نافع حوري الظفيري
لقد كانت شعوب الخليج بحاجة ماسة الى مناسبة تطل فيها على العالم بشخصيتها الحقيقية المتسامحة، البعيدة عن الصورة النمطية المشوهة التي الصقتها الثقافة الغربية بها، وتصويرنا مجرد براميل نفط، او اكياس مال متحركة، وهو ما طمس هويتنا الخليجية العربية الاصيلة.
حين فازت قطر بتنظيم مونديال 2022 شنت وسائل الاعلام الغربية حملة شعواء على الـ”فيفا” وقطر ودول الخليج، ولم تشفع لنا حملات العلاقات العامة التي انفقت عليها ملايين الدولارات طوال العقود الخمسة الماضية لتصحيح الصورة، بل ان تلك الماكينة الاعلامية الضخمة كانت وحتى اليوم الاخير، تراهن على عدم اقامة المونديال في موعده، الى درجة ان هؤلاء جعلوا من الطقس عائا، وان موعد المونديال كان صيفيا دائما، وبالتالي فهناك صعوبة، بل استحالة لاقامته في الخريف.
في المقابل كانت قطر، قيادة وشعبا، تعمل بصمت على انجاز مشاريعها الضخمة التي ادت الى تحديث الدولة برمتها في غضون عشر سنوات، هذا في جانب البنية التحتية، اما على الصعيد الاجتماعي فقد اثبت القطريون، ومنذ اليوم الاول لبدء توافد ملايين المشجعين من مختلف انحاء العالم، قدرتهم على استعياب الجميع، وان يشعر الزائر، ايا كان عرقه وجنسيته، انه في بيته وبين اهله.
لقد استطاعت قطر، هذه الدولة الصغيرة المساحة القليلة عدد السكان، اثبات قدرتها على ازالة كل التشوهات الاعلامية والثقافية الراسخة في الذهن الغربي والعالمي عن شعوب الخليج العربية، وان تجعل المستحيل ممكنا.
حين نتحدث عن قطر، في الجانب الاجتماعي، فنحن نتحدث عن انفسنا، مجتمعاتنا، وتعاطينا مع العالم انطلاقا من ثقافتنا القائمة على قبول الاخر، عملا بما جبلنا عليه ورسخته ثقافتنا والدين الاسلامي الحنيف، وتنفيذا لحديث الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) : “أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى”، والتقوى هنا ان لا تؤذي احدا، او تظلم، وان تمد يد العون للجميع، وان تكون متسامحا معهم، وهو ما لاحظه العالم اجمع في قطر، حين كان ما يزيد عن خمسة مليارات نسمة يتابعون المونديال عبر شاشات التلفزة.
هذه الصورة الرائعة رأيتها في قطر خلال زيارتي الاخيرة لها اثناء المونديال لحضور مباراة المغرب وكرواتيا، وكذلك النهائيات، بل ان ما شاهدته يفوق الوصف، ليس من حيث التنظيم فقط، وسهولة انسياب الحشود الكبيرة، بل ايضا بالتعاطي مع الضيوف، حيث يصبح الجميع اخوة، لا فرق بين هذا وذاك.
اليوم، وبعد اكثر من اسبوع على انتهاء المونديال، بدأت الصورة الحقيقية للشعوب الخليجية تظهر في الاعلام العالمي، فحتى الذين شنوا هجوما عنيفا علينا يصححون حاليا نظرتهم الينا، بل هناك رؤية جديدة للخليج، وانه ليس مجرد برميل نفط، او اكياس اموال متحركة.
لقد استطاعت قطر، بقيادة اميرها الشيخ تميم بن حمد، وحكومته، والاخ العزيز رئيس اللجنة الأولمبية القطرية، الشيخ جوعان بن حمد آل ثاني، ان تجعل الدوحة عاصمة الخير والمحبة والتسامح العربي الاصيل، وان تكتب بماء الذهب تاريخا جديدا للمنطقة، التي تحتاج شعوبها الى عقول وسواعد ابنائها الفذة وان تعطى الفرصة فقط لتحقيق ما يعجز عنه الاخرون.
يبقى ان نتعلم من الاخوة في قطر، وان ندخل العصر كما دخلته دوحة الخير من اوسع الابواب، ويبقى لنا الفخر، كخليجيين، ان بيننا من جعل الحلم واقعا، وتغلب على المستحيل، واسكت غربان التشويه الغربي… انها قطر ايها السادة.
محام وكاتب كويتي
Nafelawyer22@gmail.com