بداية العام الميلادي الجديد… وعيد ميلاد السيد المسيح (1-2)
عبدالنبي الشعلة
كل عام وأنتم بخير والعالم كله اتفل امس برأس السنة الميلادية، ولأسباب عدة فإن التقويم الميلادي أو التقويم المسيحي “الغريغوري” طغى وأصبح التقويم عالميا رغم أنه ليس من أقدم التقاويم أو أدقها، فقد حل هذا التقويم محل التقويم الروماني الذي بدأ في العام 753 قبل الميلاد واختفى من الوجود حاليا كما تقدم على تقاويم الأديان والشعوب والأمم الأخرى، بما في ذلك التقويم الاسلامي الهجري الذي أصبح نادرًا ما يشار إليه اليوم!
وهناك العديد من التقاويم أقدم بكثير من الميلادي؛ فقد احتفل المصريون في 11 سبتمبر الماضي بحلول عام 6264 وفق التقويم المصري القديم، أو التقويم القبطي أو الفرعوني الذي يعتبر الأقدم في تاريخ البشرية، يليه في القدم العبري أو اليهودي فهذا العام هو عام 5783 وفق التقويم العبري.
وعُرف التقويم الآشوري منذ العام 910 قبل الميلاد، إلا أن بعض المصادر تشير إلى أن السنة البابلية الآشورية بدأت منذ عام 4747 قبل الميلاد، أي أن عام 2023 الحالي يوافق العام 6773 آشوري، وبذلك يصبح هذا التقويم أقدم من التقويم الفرعوني إذا صدقت هذه المصادر؛ والتقويم البابلي الآشوري يشمل تقويم الامبراطورية الفارسية، الذي أدى بدوره إلى ظهور التقويم الزرادشتي الذي يوافق
هذا العام 2640 زرادشتي.
والتقويم الصيني بدأ عام 2637 قبل الميلاد، أما بالنسبة للهند التي تتسم بالتنوع والتعدد في كل شيء حتى في ما يتعلق بالتقاويم، فإن الحكومة الهندية قررت في العام 1957ميلادية استحداث تقويم وطني هندوسي موحد للهند باسم “تقويم ساكا الوطني” الذي ينقص عن الميلادي 78 عامًا، وقد استعانت الحكومة الهندية لإعداده بأكثر من 30 نظاما تاريخيا، أو تقويما كانت مختلف
الطوائف الهندوسية تستخدمها، ويعود بعضها إلى العام 3102 قبل الميلاد، مع ذلك صار التقويم الميلادي هو السائد في الهند.
ويرتبط الاحتفال برأس السنة الميلادية بالاحتفال بمولد السيد المسيح أو الـ”كريسماس” في 25 من شهر ديسمبر، وهنا أيضًا أصبح العالم كله يحتفل بهذه المناسبة، والكل يتذكر أننا في البحرين كنا نعلن هذا اليوم عطلة رسمية، إلا أننا توقفنا عن ذلك اخيرا رضوخًا لضغوط التيارات الاسلامية السياسية.
والمسيحيون أول من بادر الى الاحتفال بذكرى مولد مؤسس دينهم، فاليهود لا يحتفلون بذكرى مولد النبي موسى، ولم يكن المسلمون يحتفلون بعيد ميلاد النبي محمد عليه أفضل الصلاة والسلام إلا في القرن الرابع الهجري، في مصر في عهد الخليفة الفاطمي المعز لدين الله في العام 969ميلادية، إلا أن بعض المسلمين لا يزال يعتبر الاحتفال بمولد النبي محمد بدعة؛ وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار!
لكن في الواقع يحق للمسلمين أن يكونوا أول من يحتفل بعيد ميلاد السيد المسيح، على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام، فالمسلمون هم الفرقة الوحيدة التي تشارك المسيحيين تقديسهم للسيد المسيح، فاليهود ينكرون نبوته ومُتَهمون بقتله، وباقي الأديان غير الكتابية أو غير الإبراهيمية لا تؤمن، ولا تعترف به.
أما بالنسبة لنا نحن المسلمين فإننا نعتز ونعترف ونؤمن بنبوته، وبأنه معجزة خُلقت من روح الله وهو كلمة الله وآية من آياته، وقد احتفى القرآن الكريم على لسان رب العالمين بيوم مولده الذي كان سعيدًا مباركًا، إذ جعل الله سبحانه وتعالى المسيح يقول في يوم ميلاده: “وجعلني مباركًا اينما كنت”، ثم جعله تجسيدًا لأسمى القيم الانسانية كالالتزام الدائم طول الحياة بتأدية الواجب نحو الخالق بالصلاة، ونحو خلقه من المحتاجين بتقديم الزكاة ثم البر بوالدته، والبر من أسمى القيم، وتتوج هذه المكارم بالابتعاد عن التجبر والظلم في قوله: “وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيًا وبرًا بوالدتي ولم يجعلني جبارًا شقيا”، ويقول العزيز جلت قدرته إن يوم ميلاد السيد المسيح هو يوم سلام سرمدي حتى يوم البعث، يحتفل به كل من يحب السلام في قوله “والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم ابعث حيا”.
والله يقول إنه الحق وليس الباطل “ذلك عيسى بن مريم قول الحق”، ولم يحتو الانجيل، أو أي من كتب المسيحيين الأخرى على هذا القدر البليغ العميق السامي من التقدير للسيد المسيح، ثم يأتي البعض ليُحرم على المسلمين مشاركة المسيحيين الاحتفال بعيد ميلاد النبي عيسى!
…يتبع
وزير العمل البحريني السابق