برنامج صندوق النقد

0 284

د. لويس حبيقة

سيبدأ لبنان التفاوض مع صندوق النقد الدولي للخروج من الأزمة المالية، والبدء بتنفيذ إصلاحات تعيد العافية للاقتصاد، والتفاوض قرار وطني وواجب تجاه الشعب.
لبنان ليس الدولة الوحيدة التي اعتمدت برنامج إنقاذ متفق عليه مع الصندوق الذي وُجد اصلا لمساعدة الاقتصادات، وهناك دولتان مهمتان اعتمدتا برامجه، هما تركيا والبرازيل، وربما المثل التركي أهم للبنان بسبب القرب الجغرافي والذي يجعلنا الى حد بعيد نعاني من المشكلات نفسها.
مع بداية القرن الحالي، عانت تركيا والبرازيل مشكلات اقتصادية فرضت عليهما اعتماد برنامج لكل منها، فماذا كانت تلك المشكلات؟
نسب تضخم مرتفعة، مضاربات على النقد، عدم استطاعة الاقتراض لتمويل الانفاق العام، لكن تحسنت الأوضاع مع توقيع اتفاق مع الصندوق، لكن عادت الأمور لتسوء بسبب التباطؤ في تطبيق الاصلاحات.
لم تستطع الدولتان خفض العجز ومنع نمو الكتلة النقدية، بالاضافة الى مشكلات مصرفية، خصوصا في تركيا، اذ كان هدف الحكومة انقاذ المصارف وهذه هي حالنا في لبنان، والأهم حاولت الحكومة اقناع الأسواق بجديتها في الاصلاحات.
ما هي الدروس لاعتماد برنامج إصلاحي مع الصندوق في تركيا والبرازيل؟
أولا: التقشف المالي الجدي والمدروس يؤدي الى النمو، والاصلاحات المناسبة تحسن النتائج الاقتصادية.
ثانيا: ساهم برنامج الصندوق في منع تفاقم أزمة الدولتين، وبالتالي تحقق النمو بأسرع مما كان يعتقد.
ثالثا: كلما عجلت الحكومة في الاصلاح المتفق عليه زادت الفوائد على الواطن والاقتصاد، والمهم البدء بالاصلاحات بالفجوات الكبيرة، كالكهرباء والانفاق والبنية التحتية، وخفض حجم القطاع العام.
رابعا: من الضروري التنبه الى أن النتائج يمكن أن تكون بطيئة، وبالتالي المطلوب الصبر.
كيف يمكن تقييم الأوضاع التركية والبرازيلية رغم إصابة الدولتين جديا بأزمة “كورونا” التي كانت لها تأثيرات سلبية كبيرة؟
موقع البرازيل قوي في أميركا اللاتينية، ولها علاقات ايجابية مميزة مع معظم دول العالم.
أما تركيا فموقعها متردد، أي ما زال غير واضح لها، هل هي دولةآسيوية أو أوروبية؟
تحاول تركيا تقوية موقعها ضمن مجموعة العشرين، ولها نفوذ قوي في المنطقة، رغم أن ذكريات الماضي لا تصب في مصلحتها، لكن لا شك ان الاقتصاد التركي واسع وقابل للاستثمارات الكبيرة شرط أن يترسخ الاستقرار والاعتدال.
نما الاقتصاد التركي بـ 7,5 في المئة في سنة 2017 ومن المتوقع أن تكون النسبة نحو 5,8في المئة هذه السنة. ما زال التضخم عند حدود 16في المئة، ويجب السيطرة عليه تدريجيا. أما البطالة في حدود 13في المئة وتشكل ثقلا كبيرا على الوضع المعيشي، ونسبة الدين العام من الناتج 40 في المئة، وهي معتدلة جدا بكل المعايير.
اكتمال التعافي التركي يرتكز على عاملين كبيرين هما محاربة الفساد الذي يظهر انه ما زال مرتفعا، وتدفق الاستثمارات الخارجية المترددة بسبب السياسة والبعد عن توصيات اتاتورك مؤسس الدولة الحديثة.
برنامج صندوق النقد شكل الدفعة الأولى للاصلاح، لكنه ليس العلاج الكامل اذا لم تكن هناك قناعات داخلية بجدوى البرنامج، وهذا ما يجب أن يحصل في لبنان كي ينجح في التفاوض أولا والتنفيذ ثانيا.
أما البرازيل، من المتوقع أن تكون نسبة النمو 5,3في المئة هذه السنة، وهي نتيجة ممتازة لدولة عملاقة، ونسبة الدين العام من الناتج في حدود 80في المئة، ويسببه العجز المالي المرتفع. نسبة البطالة 13في المئة وما زالت مرتفعة رغم الاستثمارات الأجنبية التي تبلغ سنويا نحو 50 مليار دولار.
أما الاحتياطي النقدي، فكان 356 مليار دولار في 2020 ومن المتوقع أن يبقى في هذه الحدود في السنوات المقبلة.
تعاني البرازيل تاريخيا من فجوة دخل وثروة مرتفعة جدا مما يجعل الفقراء في أدنى الدرجات المتعارف عليها دوليا، والمهم تحقيق نمو مرتفع، لكن الأهم أن يستفيد منه الفقراء كي يخرجوا من الظلم المعيشي الحاصل فتتحسن الأوضاع الأمنية والاجتماعية والحياتية. كي ينجح لبنان في اعتماد وتطبيق برنامج صندوق النقد يجب أن تتوافر العوامل التالية مجتمعة: الاقتناع الرسمي والشعبي بضرورة التفاوض وبمحتوى الاتفاق، السرعة في تنفيذ ما يتفق عليه لأن عامل الوقت مهم، والاصلاحات ضرورية جدا مع صندوق النقد ومن دونه.

خبير اقتصادي لبناني

You might also like