تعادل اليورو والدولار
د. لويس حبيقة
هل تؤدي الأوضاع العالمية الحالية، وتحديدا الحرب الأوكرانية الى عودة التعادل بين اليورو والدولار بعد غياب 20 سنة؟
في الاقتصاد، نعتقد أن سعر الصرف يترجم الأوضاع الاقتصادية في الدول التي تصدر النقد،واليورو نقد مشترك لـ 19 دولة ويدار من المصرف المركزي الأوروبي في فرانكفورت.
المعلوم أن اليورو وجد سنة 1999 لتوحيد أوروبا وتحقيق الازدهار والاستقرار فيها، فهل الأوضاع الاقتصادية الاوروبية والاميركية تدفع نحو التعادل أو التكافؤ النقدي؟
أولا: كيف يمكن وصف الأوضاع في أوروبا وتحديدا في منطقة اليورو؟
تبعا لأرقام صندوق النقد الدولي، من المتوقع أن تنمو منطقة اليورو 2,8% هذه السنة مقابل 3,7% للولايات المتحدة. أما بالنسبة للسنة المقبلة، فتشير الأرقام الى تعادل النمو المتوقع أي 2,3% للمنطقتين.
المشكلة الأهم في منطقة اليورو هي التضخم، اذ لم يبدأ المصرف المركزي الأوروبي بعد برفع الفوائد كما فعل نظيره الأميركي، والفوائد على النقد الأوروبي لم ترتفع منذ عشر سنوات.
لا شك أن توافر المحروقات من نفط وغاز وأسعارها يشغلان بال الحكومات كما المواطنين لأن الاقتصاد الأوروبي بحاجة اليهما، وروسيا كانت مصدرهما الأساسي، لكن قررت أوروبا مقاطعة الامدادات الروسية ما أشعل القلق كما الأسعار، وهذا ما يحصل بانتظار ايجاد مصادر بديلة كافية من مناطق أخرى كالخليج. رغم زيادة انتاج النفط من قبل مجموعة أوبك وحلفائها، لا زالت الأسعار مرتفعة بسبب القلق من عدم استمرار توافر المادة، وصعوبة النقل وتكلفته.
هناك خوف أوروبي من الركود القاسي الذي يمكن أن ينتج عن الأوضاع العامة في القارة، ما يعني زيادة البطالة وتدني المنافع والأجور ومستوى المعيشة.
جميع هذه العوامل تدفع اليورو الى الأسفل وتعادله مع الدولار، فيما انخفاضه يعزز أوضاع السياحة الأميركية في القارة القديمة، وهذا مهم جدا للفريقين.
من ناحية أخرى ان انخفاض اليورو تضخمي لأوروبا اذ يرفع تكلفة الاستيراد ويخفض قيمة أرباح الشركات الأميركية فيها التي تقيم حساباتها بالدولار، ومن الممكن أن يدفع انخفاض اليورو الشركات الأميركية الى التفتيش عن مواقع جغرافية أخرى لاستثماراتها، مما يؤثر سلبا على النمو الأوروبي والبطالة.
بلغت نسبة التضخم السنوية في منطقة اليورو 8,1% في شهر مايو الماضي، وهي الأعلى منذ انشاء النقد المشترك، مرتفعة من 7,4% في ابريل، وكانت تزداد باستمرار خلال الأشهر العشرة الماضية.
تتأثر الدول الأوروبية بالتضخم بنسب مختلفة تبعا لقربها من روسيا وبسبب النتائج العامة للحرب الأوكرانية وامدادات الطاقة اليها، ونسب التضخم تصل الى 20% في استونيا، 8,5% في اسبانيا، 8,7% في ألمانيا، 5,8% في فرنسا و 7,3% في ايطاليا. في ألمانيا تدعم الدولة اليوم أسعار المحروقات وكذلك وسائل النقل العام.
ثانيا: كيف يمكن وصف الأوضاع في الولايات المتحدة البعيدة جغرافيا عن أوكرانيا والقريبة جدا سياسيا واقتصاديا وأمنيا؟
تبلغ نسبة التضخم السنوية في أميركا 8,3% وهي مرتفعة جدا في وقت يعمل فيه المركزي على رفع الفوائد وتقليص حجم ميزانيته لمحاربة التضخم وسيستمر بذلك، وفي الوقت نفسه ما زال الاقتصاد الأميركي جاذبا للاستثمارات لأنه يعتبر آمنا سياسيا واقتصاديا، وان لم يكن بالضرورة ماليا.
هناك خطر من توجه الاقتصاد نحو الركود بسبب ارتفاع الأسعار، لكن ما ينقذه حتى اليوم هو الادخار المرتفع الذي تحقق في زمن “كورونا” وقد بلغ ألفي مليار دولار، وبعدها بدأ المواطنون بانفاق هذه الأموال مما يبقي الاقتصاد حيويا، لكن ليس الى أجل طويل.
قال الرئيس بايدن أنه لا يستطيع فعل الكثير لتخفيض أسعار الغذاء والمحروقات، لكنه يمكن أن يتواصل مع منتجي النفط والغاز لزيادة الانتاج، وهذا ما فعله وسيستمر به. من الممكن أن يستطيع خفض تكلفة الدواء والاستشفاء والعناية بالأطفال وغيرها من الأمور المهمة تعويضا عن التضخم النابع من المحروقات والغذاء،وسيحاول بايدن فعل كل ما يستطيع لمحاربة التضخم تعزيزا لفرص المنافسة ضد الجمهوريين في الانتخابات التشريعية المقبلة.
يبقى أن هناك عاملين لم يفسرا بعد بشكل كاف، وهما مدى تأثر روسيا بالعقوبات الغربية، وامكانية حصول حروب نقدية بين الدول، وبخاصة بين الولايات المتحدة ومنطقة اليورو.
لا شك أن روسيا بدأت تتأثر جديا بالعقوبات، وبخاصة المجموعة السادسة من العقوبات الأوروبية التي تطال جوانب تجارية ومالية واستثمارية، فيما صادرات الغاز تدنت أكثر من الثلث. روسيا تتأثر، لكن العالم يتأثر معها، فحجم روسيا الاقتصادي هو 2% فقط من الاقتصاد العالمي، لكن سلعها المصدرة من غذاء ومحروقات ومعادن مهمة جدا، وبالتالي تأثيرها على الأرض أكبر من حجمها.
أما حرب العملات فكانت تمارس كثيرا في الماضي بين الدول حتى داخل أوروبا وهدفها تحسين المواقع الاقتصادية للصادرات، أما اليوم، واذا دخلت منطقة اليورو والولايات المتحدة بالاضافة الى دول أخرى في حروب نقدية فستكون ذات خطورة مرتفعة تؤدي الى خسارة الجميع، وان يكن بنسب مختلفة. في كل حال الخاسر الأكبر من أي حروب نقدية ستكون مجموعة الدول الناشئة والنامية، والأخيرة تحديدا، وهذا يجب أن يكون مؤلما للعالم.
لذا فإن كل التحليلات تشير الى امكانية حصول التعادل بين الدولار واليورو قريبا.
$ خبير اقتصادي لبناني