تفكك أحزاب المعارضة أول مكاسب أردوغان من الانتخابات المبكرة
فادي عيد وهيب
لم تمر أيام كثيرة على مشهد الانتخابات التركية يوم 24يونيو الماضي بفوز أردوغان برئاسة تركيا من الجولة الاولى، وهي الانتخابات التي جاءت جميعها سواء الرئاسة او البرلمان في صالح اردوغان وحزب العدالة والتنمية، حتى تفجرت الخلافات بين رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كليجدار أوغلو والمرشح الرئاسي السابق عن الحزب في انتخابات الرئاسة محرم إينجه.
وكان إينجه قد اقترح على كليجدار أوغلو عقد مؤتمر مبكر لتنصيبه رئيسا للحزب بدلا من اوغلو، بعد أن أظهرت النتائج أن حزب الشعب الجمهوري لم يحقق مكاسب تذكر في الانتخابات البرلمانية، والذي حصل على 22.65 في المئة من أصوات الناخبين، وكي تكون نسبة الفرق بين الأصوات التي جمعها إينجه كمرشح للرئاسة والأصوات التي حصل عليها الحزب في الترشح على مقاعد البرلمان 8 في المئة لصالح محرم اينجة الذي حصل على 30.64في المئة.
والادهى من ذلك أن تلك الفجوة المتسعة بينهم جاءت في ولايات عُرفت تاريخيا بأنها كانت دوما من معاقل التأييد لحزب الشعب الجمهوري مثل ولايات إزمير، وأنقرة، وأسكي شهير، وتراقيا، وأسطنبول، بعد أن قابلت الجماهير مرشحي حزب الشعب الجمهوري بتلك الولايات بسلبية، ولو استمر الأمر على هذا الشكل، فمن المحتمل أن يخسر حزب الشعب الجمهوري المجالس البلدية التي يديرها حاليا عندما تجرى الانتخابات المحلية في مارس من العام المقبل.
ولذلك يسعى محرم إينجه لاستغلال الزخم الذي حصل عليه في الانتخابات للسعي من أجل تغيير الوضع الراهن داخل حزب الشعب الجهوري، ففي الفترة التي سبقت انتخابات 24 يونيو الماضي، حصل إينجه على تأييد من خارج القاعدة الانتخابية لحزب الشعب الجمهوري، وهو أمر لم يحققه زعماء سابقون للحزب، كما أنها المرة الأولى منذ 41 عاماً، ينجح مرشح حزب الشعب الجمهوري في الحصول على أكثر من 30 بالمئة من أصوات الناخبين، وهي أمور جعلت محرم إينجه يقبل على المبادرة بإقصاء كليجدار أوغلو قبل أن يطيح الأخير به، حتى أن اقتراح إينجه بعقد مؤتمر عام مبكر للحزب.
حقيقة الأمر، الحزب الذي أسسه مؤسس تركيا الحديثة الزعيم مصطفي كمال اتاتورك، حزب الشعب الجمهوري، يمر الان بنفس المرحلة التي مر بها ما بين عامي 2003 -2005، عندما تسيد حزب العدالة والتنمية الحكم في تركيا، وفي تلك المرحلة كان مصطفي ساري غول يكتسب زخما في حزب الشعب الجمهوري، وتجلى ذلك في الانتخابات المحلية في العام 2004، وكان للرجل شعبية كبيرة في منطقة شيشيلي بإسطنبول في الفترة بين 1999 وحتى 2014، ولان شعبيته هددت قيادة حزب الشعب الجمهوري وقتها دنيز بايكال، دعا الرئيس السابق للحزب دنيز بايكال لمؤتمر عام مبكر في 29 يناير 2005، ونجح في وقف تقدم ساري غول داخل صفوف الحزب.
وتمثل مسألة جمع أكثر من 600 توقيع من مندوبي حزب الشعب الجمهوري للدعوة لمؤتمر عام مبكر تحديا كبيرا، والجدل قائم حاليا بشأن فرص عقد المؤتمر العام وبشأن فرص إينجه في النجاة من نفس مصير ساري غول، فإن استمر كليجدار اوغلو على قراره فلن يكون حينها امام محرم اينجه أي طريق سوى الاستقالة من حزب الشعب الجمهوري وتأسيس حزب جديد، بعد الصدام الاخير الذي على أساسه رفض كليجدار أوغلو مطالبة إينجه له بالاستقالة، قائلا: لا يوجد مؤتمر غير عاد على جدول الأعمال، هل أخطأنا حين رشحنا إينجه وشكلنا تحالف الشعب مع الحزب الصالح حتى ينقذنا من الخسارة في الانتخابات؟.
خلاصة القول،أردوغان الذي قرأ جيدا ما كان يحضر لتركيا في الداخل ومن الخارج، ونجح بترتيب صفوف حزبه وناخبيه لخوض المعركة الانتخابية الاخيرة، بدأ يحصد أولى ثمار الانتخابات المبكرة منتقصا من فترته الرئاسية عاما ونصف العام.
فهو قطع الطريق على أي محاولة لتكرار مشهد انقلاب منتصف يوليو2016، فلن يتكرر ذلك المشهد، ليس لمجرد كم الاعتقالات التي نفذها اردوغان ضد قيادات الجيش التركي، سواء قبل او بعد الانتخابات، وجاءت الطلعة الاولى من موجة الاقالات الجديدة بعد فوز اردوغان، بعد اقرار اردوغان إقالة أكثر من 18الفا ما بين قيادي واداري واكاديمي وموظف، نصفهم من جهاز الشرطة، والتهمة جاهزة ولا يوجد غيرها، وهي الضلوع في محاولة الانقلاب الفاشلة التي تعرضت لها البلاد العام 2016، بجانب غلق صحيفة “الوطن” و “هالكين نابزي” النسخة الناطقة باللغة الكردية، وصحيفة “أوزغورلوكجو” الديمقراطية، بالقرار رقم 791 الصادر عن نظام حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية، وهي الخطوة التي جاءت قبل أداء أردوغان للقسم بساعات.
ان أي محاولة للخروج على اردوغان ستكون مرفوضة دوليا في ظل الحاضنة الشعبية التي باتت بيد اردوغان بعد الانتخابات الاخيرة التي تخطت فيها نسبة المشاركة لاكثر من 85في المئة، حتى ان محرم اينجه المرشح الخاسر امام اردوغان صرح قائلا: لا نريد من دول نسب المشاركة في انتخاباتها لم تتخط الـ 30بالمئة تعطينا دروسا عن الديمقراطية. واليوم اردوغان يحصد أولى ثمار تلك الانتخابات بما يشهده حزب الشعب الجمهوري (القوى المعارضة المنظمة الوحيدة بالبلاد) من حالة تصدع وتفكك، قد تكتب نهاية المعارضة في تركيا.
وغدا سيجني اردوغان اولى الثمار الخارجية في ظل المساومات والابتزازات التي يخوضها اردوغان مع الاميركي والاطلسي للحصول على مقاتلة “اف35 “من الاولى، والدفاعات الجوية من الثانية،من دون التنازل عن الحصول على منظومة “اس400 ” الروسية كما أكد اردوغان.
وتأتي تلك الخطوة من اردوغان بالتزامن مع تحديه للولايات المتحدة في استمرار استيراد النفط من ايران التي يستورد منها 200 ألف برميل يومياً، وقيادة جبهة مع الصين المستورد الاول للنفط الايراني لكسر اي محاولة من الولايات المتحدة لفرض حصار نفطي على ايران، ويأتي ذلك في ظل العلاقات المتوترة بالاساس بين ادارة ترامب واردوغان بسبب عدم الافراج عن القس الاميركي أندرو برانسون المسجون بتركيا بتهمة انتمائه لجماعة فتح الله غولن.
والاهم له وما ينتظر فيه نهاية التنسيق مع روسيا، مناقشة وضع تركيا في شمال سوري وما بعد ادلب و الباب، وعين العثماني على جبل قنديل ومنبج، وما بعد بعشيقة في العراق.
باحث ومحلل سياسي
بقضايا الشرق الأوسط