تكهرب الأجواء نيابياً

0 524

علي باجي المحيني العنزي

انتهى الاستجواب وتجاوزه سمو رئيس الوزراء باقتدار، سياسياً وقانونياً، وحصل على ثقة أغلبية النواب. وتحترم القناعات والمواقف أيا كانت، سواء مؤيدة أم معارضة، ومؤسف أن الاستجواب الذي يعتبر من أهم وأقوى وأخطر وسائل المساءلة التي تملكها السلطة التشريعية في مواجهة سمو رئيس الوزراء والوزراء، يفقد قيمته المعنوية بسبب الافراط في استخدامه، ويجب وضع هذه الأداة الراقية والخطيرة في اطارها المنطقي والموضوعي الصحيح بعيدا عن المراهقه السياسية والانتقامات الشخصية.
الطعن بالنوايا مرفوض وغير مقبول شرعاً وأخلاقاً،ولا أؤيد أنه لمجرد الاختلاف مع خصم سياسي تثار غبار معارك تشويه السمعة وتلطيخها ووسم الخصوم. وأنا أحسن الظن بالنائب شعيب المويزري، لكن هناك تساؤلات وعلامات استفهام اثيرت حول تعاطيه مع الاستجوابات في المرحلة السابقة، آخرها تقديم استجواب بداية الصيف الماضي ثم سحبه مع بداية دور الانعقاد الحالي، وتقديم استجواب آخر يعتبر ردة فعل لحادثة، وكارثة طبيعية، واعتبره خبراء ومستشارون قانونيون غير دستوري، وكان من المفترض على النائب شعيب مواجهة رأي اللجنة والاستجابة لدعواتها المتكررة، ومقارعة الحجة بالحجة، وأن لايكتفي بالقول أنه يرفض دعوة اللجنة التشريعية متذرعاً بدستورية استجوابه، وهذا المنطق لاينسجم مع قناعات الكثير من المتابعين للشأن السياسي المحلي، كما أن نبض الشارع كان على الدوام مع المواقف التي تعزز وتدعم مطالبه وحقوقه التي كفلها الدستور، وبعض هذه المطالب لايتأتى سوى بمنطق التعاون والاتفاق، فالنائب المحترم لايمكنه اعتبار استجوابه حقا مطلقا ودستوريا، ورأيه القانوني غير قابل للنقاش، وهذا منطق غير مقبول. ولفت البعض من المراقبين بأن هذا النمط من التعاطي مع القضايا الستراتيجية باطاره العام قد يستهدف اثارة حالة من الجدل، وكهربة الاجواء،رغم حسن الظن بالنائب المويزري كما ذكرنا آنفاً. وبعيداً عن استجواب المويزري، من حق المتابع للشأن السياسي المحلي أن تستوقفه بعض الملاحظات الملفتة للانتباه، وهي اختيار وقت الاستجواب، والاشخاص المعنيين، ووضع بعض النواب العصي في دواليب استجواباتهم، بحيث تحوم حوله شبهات قانونية ودستورية، وقد يعلم البعض منهم عدم جدوى استجوابهم، لكنهم يصرون على تقديمه أو التلويح به.
لقد كشفت جلسة النظر في استجواب سمو رئيس الوزراء والمحول الى اللجنة التشريعية للتأكد من مدى دستوريته جانباً غير مريح في العلاقات البينية على مستوى النواب، فالالفاظ التي تبادلها النواب بينت مدى الانقسام وعمق مافي النفوس من ضغائن ونفور، ومن اللافت أن المعارك الناعمة دارت رحاها، صعوداً وانخفضاً، ولوحظ اعتماد نبرات حادة، وكُليمات لا ترتكز على التواصل والحوار والبحث عن المساحات المشتركة، بل تهدف الى التصادم غير المباشر، والتركيز على نقاط الاختلاف. كما لوحظ في نفس الجلسة وماقبلها وماتلاها، سوء المزاج عند البعض، والاحتقان عند البعض الآخر، ويجب ألا تتحول قاعة عبدالله السالم الى ميدان للتشفي والانتقام،اياً كانت الدوافع.
بعيداً عن الاستجواب وعن الشأن البرلماني، رغم عدم قناعتي بقانون الجرائم الالكترونية، لكن يُلفت الانتباه ترسخ ثقافة حصرية الحقيقة واحتكارها، وكما قال منهايم مؤسس علم الاجتماع الكلاسيكي: عقل الانسان لاينظر للحقائق سوى من الزاوية التي يتخيلها، ويقتنع بها وتشبع بعض رغباته، فالانسان دائماً يعتقد أنه يمتلك الحق والحقيقة، وهذا الامتلاك له حصرياً، ومما يؤسف أن هذه الثقافة اصطحبت معها بعض السلوكيات اللاأخلاقية عند البعض،مثل تشويه صورة من لايتفق معنا في الرأي، والطعن فيه والقدح والتجريح الحكم على النيَّات، واتهام المقاصد، وهذا النمط الثقافي السلبي يجب قتله في منبعه وفي مهده.
كاتب كويتي

You might also like