حديث عن المعارضة والمرحوم عبدالرحمن النعيمي (2 من 2) وقفة

0 231

عبدالنبي الشعلة

…وقد تم بالفعل في عام 2001 تسجيل وإشهار الجمعيات السياسية لكل من تقدم بطلب لذلك، التي بدأت تنشط وتتحرك كأحزاب سياسية بمسمى جمعيات، وكان الأمل معقودا على أن تبادر هذه الجمعيات الى الاصطفاف بعد تأسيسها ضمن الصف الوطني، وتلتحم بهياكل الدولة وأجهزتها التشريعية والإدارية من خلال الممارسات القانونية، وعبر القنوات الدستورية التي أسس لها الميثاق الوطني ونظمها الدستور والقوانين.
ومن بين من بادر وسارع الى تسجيل جمعيته المرحوم عبدالرحمن النعيمي وعـدد من زملائـه، أو “رفاقـه” كما يطلقــون على أنفسهم وفق الطقوس والأعراف اليسارية، فكل واحد منهم يخاطب وينادي الآخر “يا رفيق” وهي ترجمة أمينة لكلمة “كومرِد” المنحدرة في الأساس من اللغة اللاتينية والمستعملة في معظم لغات أوروبا إلى جانب الروسية كما أعتقد. وكانت هذه الكلمة قد أصبحت من أبرز المفردات اللماعة في قاموس ابجديات النظرية الماركسية قبل أن يتم طي ذلك القاموس بعد انهيار النظرية من أساسها.
تقدم النعيمي وعدد من رفاقه لتسجيل جمعية سياسية باسم “جمعية العمل الوطني الديمقراطي” واختصارًا تسمى “وعد”، وتم تسجيلها واشهارها في الحال، لتكون أول جمعية سياسية تؤسس في البحرين في ظل الانفتاح والانفراج السياسي الذي تحقق على يد الملك المصلح حمد بن عيسى آل خليفة، حفظه الله ورعاه، وقد صدر القرار الوزاري بتسجيل واشهار الجمعية في شهر سبتمبر 2001 بتوقيعي بصفتي الوزير المختص في ذلك الوقت، وكانت “وعد” هي النسخة الشرعية، أو البديل للجبهة الشعبية المعارضة، التي أسسها في الخارج المرحوم النعيمي عام 1974 وظل رئيسها لأكثر من ربع قرن قبل أن يصبح رئيس جمعية “وعد”.
التقيت النعيمي أكثر من مرة، وأعود إلى المرة الأولى، وكنت أتوقع أن التقي رجلا مكسورا منهكا خائر القوى يحمل على كاهله هموم وركام الأحلام والأهداف والمشاريع التي انهارت، أو فشلت، التي كان قد آمن بها وضحى من أجلها أيما تضحيات؛ أكبرها انهيار الاتحاد السوفياتي والنظرية الماركسية، والقضاء على ما سمي “ثورة ظفار”، وسقوط أول نظام شيوعي يحكم دولة عربية في ما كان يعرف باليمن الجنوبي، والطامة الكبرى هزيمة العرب الشنيعة في حرب الأيام الستة على يد ما كنا نسميها دويلة إسرائيل.
قبل أن التقيه يومذاك ظننت أنني سألتقي رجلا أتعبه طول المسافات ومواجهة ومصارعة الأقدار، وأعيته الغربة وضنك العيش، وأوهنته حياة التنقل والترحال، وعدم الاستقرار؛ مع مشقة العمل السري بين مدن المنامة وبيـروت وبغـداد ودمشـق وعـدن وأبـوظـبي وظفـار، وبيـن السجــون التي من بينها سجون دمشق وأبوظبي، والتنقل الفكـري والحركي بين تنظيمات “القوميين العــرب” و”جبـهة تحـرير عمـان والخليـج العربي” ثم “الجبهة الشعبيـة في البحـرين” التـي أسـدل الستـار عليـها بعد أن عاد في نهاية المطاف إلى رحاب الوطن ليحط الرحال وليؤسس جمعية العمل الوطني الديمقراطي.
نعم، قبل لقائي الأول به كنت أظن أنني سألتقي شخصا ينزف، منهكا عبوسا متعبا خائر القوى، إلا أنني وجدته دائم الابتسامة بشيء من الثقة والشموخ، والصمود والترفع على الجروح والآلام، ومع ذلك فقد ظلت الأقدار تلاحقه، وأدركته عندما جعلته يلبي نداء السماء وينتقل إلى جوار الرفيق الأعلى، فرحم الله عبدالرحمن النعيمي وأسكنه فسيح جناته، وشكرًا مرة أخرى لمن أحيا قبل أيام الذكرى العاشرة لوفاته.

وزير العمل البحريني السابق

You might also like