حديث عن المعارضة والمرحوم عبدالرحمن النعيمي (1 من 2) وقفة
عبدالنبي الشعلة
سبحان الله الخالق الذي لا تُدرَك حدود حكمته، ففي مجال العلاقات الإنسانية يقول علماء النفس إن ثمة شيئًا أو شعورًا في الوجدان البشري يجعل الفرد يتخذ موقفًا، لا إراديًا في الكثير من الأحيان، تجاه الشخص الآخر الذي يقابله للمرة الاولى، هذا الشعور يتراوح بين الانجذاب والاحترام والإعجاب بذلك الشخص، أو النفور منه وازدرائه واحتقاره، وهو في الواقع شعور يمليه ويفرضه عليك الآخر.
راودتني هذه التجليات وأنا ألتقي للمرة الاولى المرحوم عبدالرحمن النعيمي في شهر مايو من العام 2001 (إذا لم تخن الذاكرة)، عندما وجدته من الوهلة الاولى شخصًا يدخل القلب، كما يقول الخليجيون، بكاريزمته الجذابة وحضوره الذي يفيض وُدًا ولطفا وبشاشة، ويفرض التقدير والاحترام على كل من يلقاه، حتى وان كان يختلف معه بمسافات شاسعة، وبشكل حاد وجامح في المواقف والرؤى والقناعات السياسية.
وعاودتني قبل أيام تلك التجليات أيضًا وأنا أرى رفاقه ومحبيه يحيون الذكرى العاشرة لوفاته، فجزاهم الله ألف خير على ما فعلوه، فقد كانوا في الواقع يعبرون في الوقت نفسه عن شعور الوطن برمته تجاه واحد من أبنائه الأعزاء.
وكما هو معروف فإن الأيدي العابثة حاولت، وما تزال تحاول، تقسيم شعبنا الواحد إلى معسكرين، معسكر الموالين ومعسكر المعارضين، وكأن المعارضين يجب أن يتخلوا عن ولائهم للوطن والنظام، متغافلين عن حقيقة أن المعارضة إذا فقدت هذا الولاء، أو تخلت عنه، فإن معارضتها تتحول خيانة، وعلى هذا الأساس فإن زعيم المعارضة في بريطانيا يسمى رسميا “زعيم المعارضة الأكثر ولاءً لجلالة الملك”، وهذا مجرد مثال واحد فقط.
عندما التقيت المرحوم عبدالرحمن النعيمي للمرة الاولى، كنت حسب هذا التقسيم أقع في معسكر الموالين وبامتياز، فقد كنت في موقع الوزير، وهو في المعسكر الآخر حيث كان واحدا من قامات المعارضة، عاد من الغربة إلى ربوع وطنه لينتقل من العمل أو النشاط السياسي السري الذي يُمارس في الخفاء ووراء أستار الظلام، إلى النشاط العلني المفتوح والمكشوف تحت أشعة النور الذي انبثق بعد أن أطلق الملك حفظه الله برنامجه الإصلاحي أو خطته للنهضة الوطنية التنموية الشاملة فور تسلمه زمام الحكم في البلاد في عام 1999. ففي إطار البرنامج الإصلاحي امر الملك بإطلاق سراح السجناء السياسيين كافة، ودعوة كل المبعدين والنازحين والنشطاء السياسيين في الخارج إلى العودة لوطنهم للمساهمة في بناء صروح وهياكل الدولة المتجددة الموعودة. دولة الميثاق ودولة النظام الدستوري الملكي؛ حيث تنتعش فيها الحريات والديمقراطية المسؤولة، ويُحترم القانون، وتتعزز فيها قيم ومبادئ حقوق الإنسان، وتصان كرامة الفرد ومكانة المرأة، ويُفسح المجال فيها للمعارضة الواعية المخلصة للوطن باعتبارها شريكًا وطنيًا، ومن أهم مكونات ومقومات الحكم الرشيد، وتترعرع فيها مؤسسات المجتمع المدني، بما فيها الجمعيات السياسية كقواعد أساسية للحياة النيابية والديمقراطية.
وزير العمل البحريني السابق