حرب بالوكالة وقودها مرتزقة وهدفها ثروات “المتوسط”
خالد المطلق
في عام 2010 خرجت دراسة علمية تقول إن منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط تحوي 192 ترليون متر مكعب من الغاز الطبيعي و 1.7 مليار برميل من احتياطي النفط، بينما قدرت مصادر أخرى أن الأرقام أعلى بكثير من كنز الوقود العالمي الذي يريده الجميع، وهو سر الحرب في شرق المتوسط، والقصة ببساطة بعد ظهور الكنز في قاع المتوسط بدأت ملامح صراع ينشأ بين الدول التي تحيط بمياه شرق المتوسط، وهي من الجنوب مصر وليبيا وقطاع غزة الفلسطيني، ومن الشرق يتواجد دولة الاحتلال إسرائيل ولبنان وسورية، وفي الشمال تركيا واليونان وتتوسطهما جزيرة قبرص التي تمتلك اليونان ثلثيها والثلث المتبقي يتبع لتركيا.
وبسبب ما حدث ويحدث في سورية منذ عام 2011 خرجت سورية من هذا الصراع ولحقتها لبنان بسبب ما تعيشه من انقسامات وصراعات داخلية، كما خرجت غزة بسبب الحصار عليها، كذلك خرجت ليبيا بحكم انقساماتها وصراعاتها الداخلية، ولأنها بلد غني أصلاً بالموارد النفطية، وليست بحاجة ملحة لغاز البحر المتوسط، خرجت موقتا من دائرة الصراع، ومن تبقى هم الجائعون للطاقة في قاع المتوسط، تركيا التي تستورد نحو 90% من الطاقة التي تحتاجها، واليونان التي تعاني أزمة مالية خانقة وتحتاج لهذه الثروة، ومصر الراغبة بالدخول إلى نادي الدول الغنية بالطاقة، وقبرص بشقها اليوناني التي تقول ان هذه الثروة من حقها، وإسرائيل التي لا تشبع أبداً.
وإذا عدنا إلى بدايات الصراع، فبعد اكتشاف الكنز شرق المتوسط راحت الدول المعنية بالصراع تجري ترسيمات لحدودها البحرية، وفجرت اتفاقية ترسيم حدود بدأت العام 2013 بين كل من مصر واليونان وقبرص اليونانية وإسرائيل، ضمنت لكل دولة حقها في الحصول على جزء من حقول الغاز المتنازع عليه، في حين استُبعدت تركيا التي لا تتمتع بعلاقات طيبة مع اليونان ومصر وقبرص، وعلى هذا شعرت تركيا أنها ستُحرم من كِنز المتوسط فراحت هي الأخرى ترد باتفاقيات بدلت أوراق اللعبة، وذلك حين أبرمت اتفاقيتين مع الحكومة الليبية في طرابلس التي يهيمن عليها جماعة الإخوان المسلمين حلفاء النظام الحالي في تركيا، وقطعت بهاتين الاتفاقيتين الطريق في مياه المتوسط على دول المتوسط، الاتفاقية الأولى شملت ترسيم الحدود بين ليبيا وتركيا ووصلهما معاً عبر خط أنابيب ينطلق من طرابلس الليبية حتى تركيا، والاتفاقية الثانية مُنحت بموجبها تركيا حق التدخل العسكري لحماية الحكومة الليبية التي أبرمت الاتفاق مع الحكومة التركية.
الرد الأول على هذه الاتفاقية كان من اليونان التي طردت سفير حكومة الوفاق الليبية، والرد الثاني جاء من مصر عبر مناورات عسكرية بحرية أجرتها على سواحلها الشمالية، أما إسرائيل فقد اكتفت بالنأي بنفسها ولم تنحز لأي طرف، فتركيا أكبر شريك اقتصادي لها في المنطقة، ومصر دولة موقعة على اتفاقية سلام معها، أما في ليبيا فقد تعقد الوضع الداخلي أكثر، فحكومة الوفاق محاصرة في العاصمة، وتحميها كتائب مسلحة مستقلة، بينما تزحف باتجاهها قوات الجيش الليبي الذي يقوده المشير خليفه حفتر، ونتيجة هذا كله نشأت تحالفات غير معلنة في المنطقة بين مصر واليونان وقبرص والجيش الليبي من ناحية، وتركيا وحكومة الوفاق في طرابلس من ناحية أخرى، وإسرائيل في المنتصف أخذت وضع المتفرج.
سيناريو الحرب المتوقعة وحسب ما جرى في شرق المتوسط، وصراع الاتفاقيات الذي حدث، خرج للواجهة سيناريو وإن كان مستبعداً في الوقت الحالي إلا أنه حاضر ومطروح، وفي حال تعقدت الأمور أكثر ووصل الجميع لسيناريو حرب عسكرية على الأرجح ستكون بَحرية في ظل عدم وجود حدوداً بريةً تجمع قطبي الحرب تركيا ومصر، وبذلك سيحضر سلاحان مهمان في هذه المعركة، القوة الجوية وسلاح البحرية، وفي نظرة على كل طرف سنجد تركيا تتقدم على مصر من حيث القوات المسلحة البرية بفارق ضئيل، في حين أن مصر تتفوق جوياً وبحرياً.
وبحسب موقع “غلوبل فاير باور” المتخصص بالتحليلات العسكرية، فإن تركيا تحتل المركز التاسع عالمياً من حيث قوة قواتها المسلحة البرية، في حين تأتي مصر في المركز الثاني عشر، أما من حيث القوة الجوية فإن مصر تأتي في المركز التاسع عالمياً تليها تركيا في المركز العاشر، وعلى صعيد القوة البحرية، فإن مصر تحتل التصنيف السادس عالمياً وتركيا تأتي في التصنيف الثاني عشر عالمياً، وهذا يعني أن أي مواجهة في المتوسط على الورق وحسب المعلن فإن مصر تتفوق على تركيا في هذه المواجهة، وعملياً وبحيادية مطلقة، فإن لكل حرب حساباتها وخططها إذا ما وقعت.
وحسب رأيي، ونظراً لاستبعاد خيار المواجهة المباشرة، واستمرار الصراع بين أطراف المعركة، فإن الحديث قد يتحول إلى حرب بالوكالة، قد تقودها الأطراف المتصارعة، بدت ملامح هذه الحرب تظهر مؤخراً في ليبيا، حيث طلب رئيس الحكومة في طرابلس الليبية تفعيل الاتفاقية الأمنية مع تركيا، واستدعى قواتها إلى الأراضي الليبية، وهو أمر مازالت تقوم به تركيا من قبل الاتفاق من خلال طياريها وخبرائها المتواجدين على الأراضي الليبية، الذين يساندون حكومة الوفاق في حربها ضد قوات الجيش الليبي الوطني والذي تسانده مصر من الناحية الأخرى، والذي أعلن مؤخراً ما أسماها ساعة الصفر لتحرير العاصمة الليبية طرابلس ممن يسميهم الميليشيات الإرهابية، ما يعني أن حرباً قد تجري في ليبيا بين الليبيين أنفسهم الذين سيقاتلون إلى جانب أحد طرفي الصراع، ولمصالح دول أخرى، جل ما تبحث عنه هو مصالحها الاقتصادية والسياسية، ولا تلتفت كثيراً لمصالح الليبيين، ويمكن أن يتم زج مجموعات من المرتزقة للقتال بجانب كلا الطرفين، وهذا ما رشح مؤخراً على بعض وسائل الإعلام، إذ تم تداول خبر إرسال تركيا مجموعات من الجيش الوطني التابع لإخوان سورية والمدعوم تركياً إلى ليبيا للقتال بجانب قوات حكومة الوفاق الإخوانية، كما تم تداول أخبار عن إرسال نظام الأسد مقاتلين مرتزقة للقتال إلى جانب الجيش الوطني الليبي.
وإن صح هذا يمكن أن نشاهد محرقة جديدة ستحرق كل من باع نفسه بثمن بخس لمشاريع عابرة للحدود، لم تخدم يوما ولن تخدم قضية الشعوب العربية، والشعب السوري الثائر خاصة، بل هي تبرير لمن صدع رؤوس العالم بمحاربته للثورات العربية، واعتبارها منبعا للإرهاب، وبهذا الادعاء حشد كل قوى العالم لمحاربتها وإفشالها.
كاتب سوري