حرمة إزهاق الأرواح وسفك الدماء

0 137

حمادة الأمير

ارتكزت شريعتنا الغرّاء على أهم القواعد الأساسية في الحياة البشرية وهي حرمة إزهاق الأرواح وحقن الدماء وعصمة الأعراض حفاظاً على الأفراد والمجتمعات من اخطار الجرائم المدمرة، ولعظمة جريمة القتل فقد قرنه الله سبحانه وتعالى بالشرك، بل جعل سبحانه قتل النفس الواحدة تعادل قتل النفوس البشرية جمعاء واحياءها يعادل احياءهم جميعاً في قوله سبحانه وتعالى(مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا)، تلك النفس لم يفرق سبحانه حرمتها سواء المسلم أو غير المسلم إلا بالحق، وقد توعد سبحانه من يقترفها بمضاعفة العذاب ويخلد فيه مهاناً إلا من تاب.
والقصاص كجزاء دنيوي النفس بالنفس جزاءً وفاقاً، وقد وضع ديننا الحنيف القواعد حتى في الحروب بحرمة قتل الأسير بل أوجب حمايته والإحسان إليه واطعامه والاعتناء به، وحرمة التعدي على الأطفال والنساء والشيوخ وحرمة الغدر والفتك بمهاجمة الغافل وقتله وإعطاء الأمان، كما حرم الإسلام التنكيل والتمثيل بأجساد الموتى والقتلى، بل امتدت تعاليمنا الإسلامية لأبعد من حرمة النفس إلى الحفاظ على البيئة والحيوان، والرحمة والإنسانية حتى عند الذبح بحسنها بحد الشفرة وإراحة الذبيحة.
إننا نأسى ونحزن لما نراه في مجتمعات العالم من زيادة حوادث القتل وسفك الدماء انتهاكاً لحدود الله وخروجاً عن تعاليم شريعتنا، الله هو الذي وهب الحياة للإنسان فكيف للآخر أن يسلبها، الكارثة والفاجعة الكبرى وصول تلك الجرائم إلى أوثق العلاقات البشرية وهي الأسرة حيث رأينا أبا يذبح أبناءه، وزوجة تذبح زوجها، وولد يقتل والديه، وأخ يقتل أخاه، جرائم شنعاء مهيبة لا يقرها دين ولا عقل ولا يقبلها منطق ولا إنسانية، إنها بلا شك كوارث عظيمة وظواهر خطيرة تدفعنا الى دراسة أسبابها والبدء الفوري بعلاجها فكما يقولون “درهم وقاية خير من قنطار علاج”، والبداية من الأسرة فإذا وقعت جريمة فيجب التفتيش أولاً عن الأسرة، فتشوا عن إهمال التربية السليمة للأبناء، فتشوا عن عدم تماسكها وتفككها، وغياب القدوة والموعظة الحسنة داخلها، فضلاً عن عدم مصاحبة الأبناء وإعطائهم حيزا من الوقت للنقاش معهم وحل مشاكلهم، فقد أصبح جلَّ اهتمام الأب منصباً على توفير المأكل والملبس معتقداً بذلك براءة ذمته منهم، فأُهملت الرقابة وعمّت الفوضى وغاب الحساب، فضلاً عن عدم مبالاة المرء بما أخذ أمواله أمن حرام أم من حلال؟ لأنها في النهاية ستذهب إما بركة وتوفيق وإما حسرة وندامة على الأبناء، فينبغي على الأسرة توعية وتوجيه أبنائهم نحو الطريق السليم وغرس الأخلاق الحسنة فيهم، وتقوية الوازع الديني لديهم، وترسيخ العقيدة الصحيحة فيهم، وعدم تربيتهم على الخصومات والأحقاد وأخذ الحقوق باليد.
كما أن خلافات الأسرة حول الميراث، وكثرة حالات الطلاق، وغياب دور المدرسة والمُعلم في التوجيه والإرشاد، وتفشي الإدمان على المخدرات والمسكرات والانغماس في الفجور والملذات، وغياب الوعي وارتفاع البطالة والفقر، وكثرة الضغوط النفسية على الفرد نتيجة الظروف المعيشية الصعبة، ومشاهد القتل والعنف في الدراما وغياب الرقابة عليها، وترك الأطفال أمام الألعاب الإلكترونية العنيفة التي تؤثر على العقول، وعدم متابعتهم على شبكات التواصل الاجتماعي، كل ذلك كان له الأثر البالغ في ازدياد الجرائم.
وإذ نضع الحلول نُنادي المشرع بتغليظ العقوبات على جرائم القتل والبلطجة والمخدرات، وأن تكون المحاكمات علنية وفورية فتنزجر النفوس ويتحقق الردع فمن أمن العقوبة أساء الأدب، وكذلك يجب تعظيم دور المدرسة، ودور العبادة، والإعلام، ومؤسسات المجتمع المدني، والأجهزة الأمنية، وعلماء النفس والاجتماع بعمل الندوات وبث البرامج لتوعية الشباب، كما يجب تفعيل دور المراكز الشبابية من خلال توفير أنشطة ثقافية ورياضية وسياحية للشباب لإفراغ طاقتهم فيها، واشغال أفكارهم بها. في النهاية اتقوا الله أيها الآباء، واضطلعوا بمسؤولياتكم تجاه أبنائكم فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيّته، لا تخونوا الأمانة وتقصروا في الرعاية، فتضروا بالأمة، نظفوا محيطكم الأسري وأزيلوا ما يعتريه من شوائب فاسدة، ناقشوهم وغوصوا في تفكيرهم، لا تتركوهم فريسة للأهواء والأفكار الهوجاء، وسموم الخمر والمخدرات والمنكرات، حذروهم من صحبة الأشرار أعوان الهلاك والضلال، كونوا خفراء على أبنائكم، أغرسوا فيهم القيم والمبادئ ومكارم الأخلاق، علموهم فضائل الدين، وأن القرب من الله هو القرب من كل شيء جميل.
محام ومستشار

You might also like