حرمة المساكن والإثبات المشروع

0 124

حمادة الأمير

يعتبر تفتيش المساكن أهم وأخطر الإجراءات الجنائية التي تنصب على مستودع أسرار الإنسان، وممتلكاته وحرماته، وهو إجراء من إجراءات التحقيق الهادفة إلى كشف الأدلة المادية للجريمة وحماية المجتمع منها، فهو ليس من إجراءات جمع الأدلة، وبالتالي لا يمكن اللجوء إليه إلا بناء على جريمة وقعت بالفعل، ولهذا استقرت دساتير الدول وقوانينها على إحاطته بسياج من الضمانات التي تكفل احترام خصوصية الفرد ومنع التعدي عليها، إلا في الحالات القانونية.
وقد حرصت شريعتنا الإسلامية السمحة على صيانة حرية الإنسان وحرمة مسكنه قبل الدساتير والقوانين الوضعية، فقد وردت آيات كثيرة تحمي المساكن من أي تغول على حرمتها حتى يكون الفرد حراً وآمناً على نفسه، وعرضه، وماله، فلا يجوز دخول المنزل إلا بإذن صاحبه، ولا يجوز التصنت والتجسس عليه، وذلك كما جاء في قوله تعالى “وَلَا تَجَسَّسُواْ” وفي قوله تعالى “وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا” وقال تعالى “يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَدْخُلُواْ بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُواْ وَتُسَلِّمُواْ عَلَى أَهْلِهَا”.
ومن ذلك تقرر قانوناً أذن التفتيش، وضوابطه، وإجراءات دخول المساكن، وقد كفل الدستور الكويتي حرمة المساكن في المادة 38 بنصها “للمساكن حرمة، فلا يجوز دخولها بغير إذن أهلها، إلا في الأحوال التي يعينها القانون وبالكيفية المنصوص عليها فيه”.
وقد نظم المشرع الكويتي ضوابط وأحوال التفتيش في المواد من 78 حتى 97 من قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية إذ نصت المادة 78 على” للأشخاص ومساكنهم ورسائلهم حرمة، وحرمة الشخص تحمي جسمه وملابسه وما يوجد معه من أمتعة، وحرمة المسكن تشمل كل مكان مسور أو محاط بأي حاجز، مستعمل أو معد للاستعمال كمأوى) كما نصت المادة 85 على “تفتيش المساكن يجب ان يكون نهارا، وبعد الاستئذان ممن يشغلون المكان، ولا يجوز الدخول ليلا، أو بدون استئذان، إلا إذا كانت الجريمة مشهودة، أو إذا وجد المحقق أن ظروف الاستعجال تستوجب ذلك”.
وهدياً بما تقدم لا يجوز تفتيش المساكن ليلاً إلا في حالة الضرورة وبمعرفة المحقق، أو أن تكون الجريمة مشهودة، وإلا فإن التفتيش يكون باطلاً، وما ترتب عليه من أدلة، ويجب أن يتم تفتيش النساء بواسطة امرأة.
وللتفتيش شروط يجب توافرها اذ يجب توافر أدلة كافية على ارتكاب الجريمة، وأن تستلزم مصلحة التحقيق القيام به، وألا توجد طريقة أخرى غير التفتيش، وأن يكون التفتيش بغرض ضبط أدلة الجريمة موضوع التحقيق، ويستثنى من ذلك حالة ظهور أشياء بصفة عرضية يعتبر حيازتها جريمة، أو متعلقة بجريمة أخرى وجب ضبطها من القائم بالتفتيش، والأشياء المضبوطة يتم اثباتها في محضر يبين أوصافها وحالتها وكيفية ضبطها، ومكان العثور عليها، وتوضع في احراز وتلصق ورقة عليها تبين تاريخ الضبط ومكانه، وسببه، والقضية المتعلقة بها، وتوقيع القائم به.
من جماع ما تقدم يتبين لنا أن التعرض للمسكن يجب أن يكون وفقاً لأحكام القانون وبالكيفية المنصوص عليها فيه، وذلك صوناً لحياة الفرد وحرمة مسكنه، وفي حالة وجود عيب في الإجراءات، وتجاوز غير مشروع لقواعد التفتيش يعتبر تعسفاً في استعمال هذا الحق يُهدر معه أي دليل يكون مترتباً عليه، أو مستمداً منه، كنتيجة محتومة وسنداً للقاعدة القانونية”أن ما بُني على باطل فهو باطل”. فالغلبة للشرعية الإجرائية ولو أدى إعمالها لإفلات مجرم من العقاب، وقد عبرت محكمة النقض المصرية عن ذلك بقولها “افلات مجرم من العقاب لا يضير العدالة بقدر ما يضيرها الافتئات على حرمات الناس بدون حق”.
$ ماجستير في القانون

You might also like