سوء التدبير في وظائف الدولة…”المساجد أنموذجا”
د. وائل مرزوق
حديث الساعة والساحة الكويتية يدور حول سياسة الإحلال واختلال التركيبة السكانية، وبما أني أعمل في الحقل الشرعي ولي اطلاع عليه أكثر من غيره من قطاعات الدولة، أحببت الإسهام بتسليط الضوء على جانب من جوانب سوء التدبير في الوظائف المتعلقة بالمساجد، ولعلها تكون لبنة في رؤية الإصلاح الذي ينشده الجميع، وسيكون الكلام عن وظيفة الإمام والمؤذن وعامل المسجد.
أولا: وظيفة الإمام
1ـ أكبر الإشكالات المتعلقة بوظيفة الإمام، أن أغلب الأئمة الكويتيين، تحت بند المكافآت لا على بند التعيين، وهذا يعني أنه يأخذ من الدولة مرتبين، راتب لوظيفته الأصلية المعين عليها، وراتب آخر على توليه الإمامة، وهذا من أسباب ضعف الإقبال على تولي الإمامة على بند التعيين، لأن بند المكافآت أفضل وأكثر حظا، ومما يشار إليه أن من المرغبات في تولي الإمامة إضافة إلى المكافأة الحصول على سكن وزارة الأوقاف مقابل إيجار مخفض جدا ربما لا يتجاوز 100 دينار، وهذا السكن منزل أو شقة في جميع مناطق الكويت.
ولحل هذه الإشكالية أقترح: إلغاء بند المكافآت والتمتع بالسكن في حق غير الإمام المعين، فتقتصر المميزات المالية والسكن على الإمام المعين، ومن أراد التطوع بالإمامة من غير مقابل فله ذلك، وهذا سيوفر على ميزانية الدولة المكافآت الضخمة التي تدفعها للأئمة تحت بند المكافآت مع أنهم يأخذون مرتبات في وظائفهم، وسيجعل هذا القرار من يرغب بالإمامة يتجه إلى التعيين في وظيفة الإمام بدل الاتجاه إلى بند المكافآت، وهذا يخفف على الدولة أيضا أعداد طلبات التوظيف.
2 ـ من الإشكاليات المتعلقة بوظيفة الإمام كذلك، ما اتجهت إليه وزارة الأوقاف في السنوات الأخيرة من التوسع في تكليف إمامين في مسجد واحد، وهذا من زيادة المصروفات على الدولة بلا داع، لا سيما إذا علمت أن الإمامين في المسجد الواحد في كثير من الأحيان على بند المكافآت لا التعيين، فلو قدر أن الإمامين على بند التعيين لكان الأمر متجها إن كان الإمامان كويتيين، لأن الدولة ملزمة بالتعيين، أما أن يعين إمامان أحدهما أو كلاهما على بند المكافآت أو من الوافدين فهذا غير سائغ إطلاقا. علما بأن المؤذن في الكويت تشترط فيه شروط تؤهله للقيام بوظيفة الإمام في حال غيابه أو إجازته، فهو في حقيقة الأمر إمام ثان، وعلى هذا جرى أمر المساجد في الكويت إلى أن جاءت فكرة الإمامين والتوسع فيها.
3 ـ كثرة الوافدين في وظيفة الإمامة ومزاحمتهم المواطنين في سكن الأوقاف الذي يعد أكبر المزايا المقدمة للإمام، وهذه نتيجة ضرورية لعدم تحفيز المواطنين لتولي هذه الوظيفة بزيادة الرواتب وغيرها من المميزات، ونتيجة أيضا لتعيين أكثر من إمام في مسجد واحد، وهذا يعني ضرورة مضاعفة عدد الأئمة، مما يتطلب الاستعانة بالوافد. وقد يقال: سبب الاستعانة بالوافدين عدم اشتراطهم لتولي الإمامة في مناطق معينة بخلاف الكويتيين، وهذه الإشكالية وإن كانت قائمة إلا أننا نرى الوافدين في جميع المناطق حتى المناطق السكنية، ثم يمكن حل هذه الإشكالية بمميزات مالية أو غيرها تقدم للإمام الكويتي الذي يتولى الإمامة في غير المنطقة التي يسكنها أو مناطق الأسواق ونحوها، ومن ضمن المميزات التي قد تقدم له الأولوية في سكن الأوقاف، أو تخفف عنه الفروض التي يجب عليه حضورها، وحينئذ يمكن اشتراك إمامين كويتيين معينين في مسجد واحد، ويتم الاستغناء عن الوافدين من الأئمة إلا في بعض المناطق البعيدة التي لا سكان لها كالوفرة والشاليهات.
وأشير هنا إلى أن من الوافدين من نحتاج إليهم في حلقات التحفيظ وغيرها لكن هؤلاء عددهم قليل، ثم للأسف الدولة لم تعتن بنوع الوافدين، فوظيفة الإمام مثلا يرغب فيها عدد كبير من الوافدين الحاصلين على مؤهلات عالية من جامعات شرعية كبرى، ومع ذلك لا نجدهم عندنا، وهذا غالبا يرجع إلى قصر استقدام الأئمة من جنسيات معينة، وتقديم هذا الشرط على الكفاءة.
ثانيا: وظيفة المؤذن
نلحظ أن هذه الوظيفة تكاد تقتصر على الوافدين، وسبب انصراف الكويتيين عنها انها وظيفة شاقة، والمميزات المالية فيها أقل من وظيفة الإمام، مع أنها أكثر مشقة، وعليه يمكن حل هذه الإشكالية في النقاط التالية:
1 ـ أن يكون مرتب المؤذن الكويتي أعلى من مرتب الإمام الكويتي بشرط الاشتراك في المؤهل، فإن المؤذن يجلس في المسجد ساعتين يوميا على الأقل، أما الإمام فلا يستغرق وجوده في المسجد أكثر من خمسين دقيقة.
2 ـ أن يقتصر بند المكافآت على وظيفة المؤذن دون الإمام، فمن يتقاضى راتبا من الدولة وأراد زيادة في دخله سيلجأ غالبا إلى وظيفة الإمام على بند المكافآت، لكن لو أغلق باب المكافآت في الإمامة فسيتجه مجموعة من الناس إلى الأذان بالمكافأة
3 ـ التخفيف من بعض شروط المؤذن غير المعين بما لا يضر بوظيفته.
ثالثا: عمالة المساجد:
كثير من المساجد فيها عاملان بحجة أن المسجد تقام فيه الجمعة، ولو كان حجم المسجد لا يستدعي ذلك، فأكثر المساجد في الحقيقة يكفيها عامل واحد، علما بأن عقد العامل ساعات العمل فيه 12 ساعة، وتنظيف المسجد ومرافقه لا تحتاج إلا لثلاث ساعات أو أقل غالبا، عدا مساجد الجمعيات التعاونية فهذه حجمها كبير وروادها كُثر فتحتاج مرافقها إلى تنظيف أكثر من مرة في اليوم، فالذي ينبغي أن لا يعلق عدد العمالة بإقامة الجمعة من عدمها، بل على حجم المسجد وموقعه في المنطقة، والمناقصات الجديدة المطروحة تشترط عاملين في كل مسجد.
الإشكالية الكبرى المتعلقة بالعمالة أن إقاماتهم التي ليست على وزارة الأوقاف، بل على شركة تتعاقد معها الوزارة، ثم إذا انتهى العقد إما أن تكون هذه العمالة سائبة أو تحول إقاماتها على الشركة الجديدة، مقابل مبالغ تدفع للشركة الأولى من قبل العامل، الذي يذهب أكثر مرتبه في دفع مثل هذه الأموال، ويضطر لتعويض ذلك بالعمل خارج المسجد في غسيل السيارات وغيرها، وأيضا بعض الشركات تبتز العمالة فتورد للمساجد أدوات تنظيف أقل من المتفق عليه مع الوزارة، وتهدد العامل بإلغاء إقامته في حال التبليغ عن ذلك. والحل في جعل إقامة العمالة على الوزارة مباشرة، ونستحدث إدارة في الوزارة تتولى ذلك، أو تكون من مهام قسم النظافة القائم حاليا، فلماذا لا تستثمر البطالة المقنعة في تطوير إمكانات الوزارة ومهامها.
وأخيرا: عدد مساجد الكويت 1650 مسجدا، لو تم تخفيض الوافدين فيها وفق التوصيات المذكورة فسنسرح ثلاثة آلاف وافد على الأقل، هذا فقط في المساجد فضلا عن بقية قطاعات وزارة الأوقاف، وسنوجد فرصا وظيفية للكويتيين بمميزات جاذبة، ونحتاج أن يتقدم نائب بسؤال برلماني لبيان عدد الأئمة والمؤذنين الكويتيين على بند التعيين وعددهم على بند المكافآت، وعدد الأئمة والمؤذنين الوافدين، وعدد حراس المساجد، وعدد المستفيدين من سكن الأوقاف من الكويتيين على بندي التعيين والمكافآت ومن الوافدين أيضا. والله الموفق.
كاتب كويتي