سياسة البيضة والحجر

0 285

د.نجلاء يس

البيضة والحجر نمط سلوكي حلزوني تفشى بيننا مؤخرا في ظل حالة الفوضى التي تحيط بنا، والمثل يرمز للقدرة على اللهو بمهارة فائقة بأكثر الأشياء هشاشة، جنباً إلى جنب مع أشدها قسوة، وذلك بالحفاظ على شعرة معاوية التي تحول دون اصطدامهما، وهو تعبير دارج مستقى من قصة صبي محتال تجاوز الخطوط الفاصلة بين الخطأ والصواب من أجل تحقيق المكاسب الشخصية، بنحته لخمس بيضات من الحجر لاستخدامها للفوز بنجاح في مسابقة لرمي البيض، بعد خداع أقرانه بصلابة بيضاته التي لا تكسر برغم زيف حقيقتها -ولكن إلى حين- فبرغم حيطته إلا أن كشف أمره أدى لنهاية أسطورته وتحوله لعبرة.
ليجسد بذلك نموذجا حيا لشخصية الفهلوي، صانع المعجزات الوهمية، الكاذب بصدق، ملك فن المراوغة، واللعب على جميع أصناف الحبال، ذا القدرات الخارقة على التعاطي مع شتى أنواع المتغيرات السياسية والوظيفية، بحرفية تفوق تبديل الحرابي لألوان جِلودها، وانتماءاتها ومعتقداتها الأيديولوجية، متخذا المسلك الوصولي الانتهازي، وخطاب السفسطة والعبثية مَعبرًا لتصدر المشهد، والقفز عليه، لاقتناص أفضل الفرص، وتحقيق الأهداف دون الالتزام بأي عهود أو مواثيق، فهو كما يقول الشاعر”يعطيك من َطَرِف الِّلساِن حلاوة.. وَيروُغ منَك كما يروُغ الثعلب”. ولكنه وبالرغم من محاولته لارتداء ورقة التوت برفع شعار “أنا لا أكذب… ولكني أتجمل”، حتى يشار اليه بالبنان كماهر، وحذق، معول على الأصل اللغوي للمصطلح والمشتق من اللغة الفارسية القديمة (الفَهلَوِيّة أو البهلوية)، للدلالة على عمق خبرة، ومعرفة، ومهارة المتحدث بها دون غيره، إلا أن الفهلوية ستظل وإلى أبد الدهر، وفي كل العصور والأزمنة، موروثا ثقافيا يرمز للمحتال، المتملق، المليء بالمتناقضات، حيث يعد بمثابة الجرثومة الأخلاقية التي تنخر في عضد المجتمع كالسوس لتمزق بنيته، وتطمس هويته، بمساعدته لطنين النحل هؤلاء، بالوصول والتربع على قمة عرش الوجاهة الاجتماعية، والأكاديمية، والسياسية، دافعاً بالمثقفين، والعلماء أصحاب الحقوق إلى أسفله، مخرجاً لسانه للجميع، ضارباً عرض الحائط بمنظومة القيم والمبادئ. ويعري فيلم “البيضة والحجر”، مفهوم الفهلوة من خلال قصة مدرس فلسفة تكشفت له حقيقة المجتمع الزائف الذي يعيش فيه، بعد أن سقطت عنه ورقة التوت التي كانت تغطي فساده، حيث ساقته أقداره للسكن في غرفة مشعوذ، يخشى الجميع من أذاه وبرغم ذلك -وكعادة البشر- يلجؤون إليه لحل مشاكلهم، فيحاول الرجل صادقاً تنبيههم إلى الوهم الذي أحاطهم به هذا الدجال، ليقوم الجميع بمحاربته هو بدلاً عن خداعهم، ليجد نفسه بين خيارين أحلاهما مر، إما الانسياق مع القطيع، أو الدهس تحت أقدامه، ليختار السير معه، بل والتفوق عليه وقيادته، متخذاً من شعارات الإصلاح والصلاح، والبريق المغشوش، واللسان المعسول، وحاجة الناس وخوفهم، أداة للمراوغة يقفز بها فوق درجات السلم المجتمعي بسرعة الصاروخ، بعد أن كان يقبع بأسفله، حتى يجد نفسه مطالباً بإشباع خواء أسياده للمزيد والمزيد من السلطة وترف الحياة، فيعجز، فتكون نهايته. ونوجه في الخاتمة حديثنا لكل “فهلوي”، لنقول له “إنك إذا استطعت خداع بعض الناس كل الوقت، أو كل الناس بعض الوقت، فمن المستحيل لك خداع كل الناس كل الوقت”، فلابد لكل بداية من نهاية ومن شاكلتها نفسها.

كاتبة مصرية

You might also like