سُنة النصح التدافع لابد منها قصص إسلامية

0 98

محمد الفوزان

عن الحسن البصري، رحمه الله، قال: “كان بين عمر بن الخطاب (رضوان الله عليه) وبين رجل كلام في شيء، فقال له الرجل: اتق الله يا أمير المؤمنين. فقال له رجل: أتقول لأمير المؤمنين اتق الله، فقال له عمر: دعه فليقلها لي نعم ما قال.
ثم قال عمر: لا خير فيكم إذا لم تقولوها، ولا خير فينا إذا لم نقبلها منكم”.
قاعدة ذهبية أسس لها عمر، وهو خليفة تعقيباً واستحساناً، وتشجيعاً لأمته.
يروى أن رجلاً مسكِيناً شهِد موكب الملك، وناداه باسمه دون تعظيمٍ أو تفخيمٍ فانقض عليه الحرس، قالوا له: ‏”وهل تُكلم ابن عمتك أيُها الصعلوك”؟
‏لكن الملك منعهم، وقال: “دعوا الرجل يتكلم”.
‏فتكلم الرجل وسأل الملك: هل غَضبت لأني ناديتُك باسمك؟
إنني أُنادي مالك الملك باسمِه وأقول: يا الله فلا يغضب.
قال له الملك: ‏اقترب مني اقترب!
‏فاقترب منه. قال الملك: انصحني، لقد سئمت قصائد المادحين.
‏فوجّه له الرجل المسكين عظةً مؤثرة بدأها:” إعلم أنه لو دامت لغيرك ما وصلت إليك؛ أنظر إلى الجهتين؟ هذِه قصورهم وهذِه قبورهم، إن الدُنيا إذا حلت أوحلت، وإذا كست أوكست، وإذا جلت أوجلت، ‏وإذا أينعت نعت، ‏وكم من قبورٍ تُبنى وما تبنى، وكم من مريض عُدنا وما عُدنا، وكم من ملك رفعت له علامات، فلما علا مات”.(انتهى).
العز بن عبد السلام من خيرة علماء الشام العاملين، خرج من الشام بعد أن رأى سلطانها يوالي الصليبيين، ولم يكترث بنصح العلماء الربانيين، خرج إلى مصر، واستقبله نجم الدين أيوب، وأحسن استقباله وجعله في مناصب ومسؤوليات كبيرة في الدولة، وكان متوقعا أن يقول العز بن عبد السلام: هذه مناصب توليتها، ومن المصلحة أن أحافظ عليها حفاظًا على مصالح المسلمين، وألّا أعكِّر ما بيني وبين هذا الحاكم، خصوصا أن الملك الصالح أيوب سلطان عفيف وشريف، إلا أنه كان رجلاً جبارًا شديد الهيبة، حتى إنه ما كان أحدٌ يستطيع أن يتكلم بحضـرته أبدًا، كانت له عظمة وأبهة في نفوس الناس سواءً، الخاصة منهم والعامة.
ومرةً في يوم العيد خرج موكب السلطان الصالح أيوب يجوس في شوارع القاهرة والشرطة مصطفّون على جوانب الطريق، والسيوف مصلتة، والأمراء يقبّلون الأرض بين يدي السلطان هيبة وأبهة (وهذه كانت عادة سيئة موجودة عند الأمراء في ذلك الوقت) وهنا وقف العز بن عبد السلام وقال: يا أيوب (هكذا باسمـه مجردًا بلا ألقاب). فالتفت الحاكم ليرى من الذي يخاطبه باسمه الصريح بلا مقدمات ولا ألقاب؟
ثم قال له العزّ: ما حُجَّتُك عند الله، عز وجل،غدًا إن قال لك: ألم أُبَوِّئْكَ ملك مصر فأبحت الخمور؟
فقال: أويحدث هذا في مصر؟
قال: نعم في مكان كذا وكذا حانة يباع فيها الخمر وغيرها من المنكرات، وأنت تتقلّب في نعمة هذه المملكة؟
فقال: يا سيدي أنا ما فعلت هذا، إنما هو من عهد أبي.
فَهَزَّ العز بن عبد السلام رأسه وقال: إذن أنت من الذين يقولون: “إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ”. فقال: لا، أعوذ بالله.
وأصدر أمرًا بإبطالها فورًا ومنع بيع الخمور في مصر.
وفيها بيان أهمية اختيار البطانة الصالحة المتخصصة للمسؤول عن مصالح الناس ومنافعهم، وكذلك حسن اختيار المسؤولين القيمين على مصالح الشعب والوطن.
لما بويع أبو بكر (رضي الله عنه) بالخلافة بعد بيعة السقيفة، تكلم أبو بكر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: “أما بعد أيها الناس فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني، الصدق أمانة، والكذب خيانة، والضعيف فيكم قوي عندي حتى أريح عليه حقه إن شاء الله، والقوى فيكم ضعيف حتى آخذ الحق منه إن شاء الله، لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذل، ولا تشيع الفاحشة في قوم قط إلا عمهم الله بالبلاء، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم”. أخرجه ابن إسحق عن الزهري عن أنس بن مالك رضي الله عنه، صحيح الإسناد.
التدافع بين الناس وأفكارهم، وبين التي هي أحسن والتي هي أخشنُ – سُنَّةٌ قائمة جارية، غايتها منع الفساد في الأرض، وإرجاع الأمور إلى نصابها وتصحيح أوضاعها.
فالدَّفْع أو التدافع سنةٌ راسخة تقوم بإعادة الترتيب وَفْق الأسس الصحيحة السليمة، وتقطع دابر الفساد، وتمنع الإفساد؛ عبرَ تمحيص الصفوف، والحيلولة دون أن يُحقِّق المفسدون وذوو النيات السيئة مآربَهم وأغراضهم، واختبار للأفكار المتدافعة لتمييزِ ما بُني فيها على الحق لنصرته، وما كان مصدرُه الهوى ووحي الشيطان لدحضه ومحقه.

إمام وخطيب

alfouzan.mohamad@gmail.com

You might also like