“صفقة القرن”…. “سايكس- بيكو” جديد

0 496

أحمد غلوم بن علي

لعل الاختلاف الوحيد بين ما يسمى “صفقة القرن” ومعاهدة “سايكس- بيكو” عام 1916م هو أن الأخيرة كانت عبارة عن اتفاقية لتقاسم نفوذ محتلين مستعمرين (فرنسا وبريطانيا) للأراضي العربية، أما “صفقة القرن” فهي حصر النفوذ في ما يسمى إسرائيل، وكما في “سايكس- بيكو” كانت توجد مصادقات واتفاقيات سرية بين المحتلين وكل من روسيا وإيطاليا، فهو اليوم أيضا موجود بوجود بعض الدول الأوروبية والعربية.
لهذا يمكن القول إن “صفقة القرن” هي تتمة لـ”سايكس- بيكو” أو “سايكس- بيكو 2″، حيث كانت من حيثيات اتفاقية 191 أن فلسطين تكون تحت إدارة دولية، وهو ما كان لاحقا التمهيد لوعد بلفور، ثم كان بداية الصراع العربي- الاسرائيلي وحرب العدوان الثلاثي 1956، ونكسة 1967، وهجوم 1973، ثم اتفاق أوسلو1993، ووادي عربة وغيرها من أحداث الصراع، ليبدأ اليوم الجزء الثاني لـ”سايكس- بيكو”… صفقة القرن.
أبله من يدعي أن لا ترابط بين ما جرى ويجري وبين الاستعمار ثم الانتداب فالاحتلال، وأعمى من لا يرى ان هذا الربط نتاج عقلية المؤامرة، فالمحطات التي كانت في “كامب ديفيد” و”أوسلو” و”وادي عربة”، ومؤتمرات التطبيع الجديدة، ماهي إلا محطات ترسيخ للإحتلالات الجديدة والنفوذ الجديد لدولة الإحتلال الصهيوني في المنطقة، فـ”كامب ديفيد” كان بعد الواقع الجديد لاحتلالات حرب 1967، و”أوسلو” كانت بعد تزايد الخلايا الاستيطانية، وتحديدا بعد الاحتجاجات الدولية ضد جرائم القتل الجماعي التي مارستها اسرائيل في الانتفاضة الأولى للفلسطينيين.
فالاتفاقات الثنائية والثلاثية في الواقع كانت نتيجة لتكريس واقع جديد من الاحتلال وشرعية جديدة للقتل والتهجير من قبل المجتمع الدولي، وبعض الدول العربية المترنحة الشرعية، آنذاك، أما بالنسبة للصفقات كما هي “صفقة القرن” وقبلها “سايكس- بيكو” فهي في الواقع تأتي لأسباب مغايرة نسبيا عما هي الاتفاقيات والمؤتمرات والورشة التطبيعية.
فبريطانيا إبان الحرب العالمية الأولى واجهت مشكلات متعددة في الوطن العربي، كما في العراق بعد فشلها في تأمين سيطرتها الكاملة، وكما مع الأتراك الذين نجحوا في استعادة قناة السويس، كما أن فرنسا كانت تعاني من تصاعد المقاومة وتكاتف وتعاون ما يعرف اليوم بدول الهلال الخصيب ضد الاستعمار، وهكذا أيضا في دول المغرب العربي، فكانت اتفاقية”سايكس- بيكو” لإيقاف الاستنزاف نسبيا، واستغلالا لرغبات عرب شبه الجزيرة العربية متمثلة بالشريف حسين في إقامة دولة عربية مستقلة عن العثمانيين (والتي لم يحصل عليها).
اليوم تأتي صفقة القرن في أجواء مشابهة، فتوازن الرعب في شمال إسرائيل، وتطور المقاومة في غزة واستقرار سورية، ومن جانب آخر رغبة الولايات المتحدة الأميركية بتخفيف وجودها في المنطقة العربية بسبب استقلالها النفطي (نتيجة اكتفاء الانتاج من النفط الصخري) ورغبتها بتأمين كيان دولة الاحتلال الاسرائيلي في المنطقة، واستغلالا لرغبات بعض العرب، تماما كما كان في “سايكس- بيكو”، فإن احتماليات قيام هذه الصفقة عالي جدا، لكن….
الرغبة العربية بالاستقلال في شبه الجزيرة العربية قبيل “سايكس-بيكو” كانت واسعة ومتغلغلة في النظم والشعوب جراء إضطهاد الدولة العثمانية والعرق التركي للعرق العربي، لكن اليوم فقط الأنظمة هي من تهرول للتطبيع وعقد الصفقة، أما الشعوب والمجتمعات العربية في الدول العربية وفي المهجر، وفي المخيمات فإنها ترفض شرعنة الاحتلال ونسيان الماضي، وهذا ليس إدعاء، فاحتجاجات الشارع تثبت، ويوم القدس العالمي أيضا يدلل، ليس بالضرورة أن تملأ الاحتجاجات جميع الدول العربية، لكن أن تملأها في بعض الدول العربية، وهي الدول التي حملت على عاتقها الدفاع عن الضعيف وحماية مستقبل الأجيال والمنطقة.
أخيرا يمكن ملاحظة مفارقة أخرى بين “سايكس بيكو” 1 و 2، أن الأولى كانت تتم بمباحثات سرية لأسباب متعددة أبرزها كي لا يطالبوا من قبل عرب شبه الجزيرة العربية بدول عربية مستقلة ودعم، أما اليوم فالمحادثات علنية وكما سرب أخيرا حول بنود الاتفاقية فإن العرب سيدفعون نحو70في المئة من إجمالي الفاتورة التي تشمل بناء 750 كيلومترا في شبه جزيرة سيناء بمطار وميناء والذي يرجى أن تكون لدولة فلسطين الجديدة.

كاتب كويتي

You might also like