ضد التصور الأسطوري للطاغوت

0 276

د.نجلاء يس

الطاغوت هو كل من طغى، وتجبر، واعتدى، وتجاوز حده، فحاول رفع نفسه إلى درجة السيد المتبوع أو المُطاع، الذي يعتلي هامة أعوانه كشيطان الضلال، ليصرفهم عن طريق الخير إلى طريق الآثام والشرك بالله، بزعمه “والعياذ بالله” بأنه معبودهم وهم أولياؤه سواء بقهره لهم أو بطاعتهم له، وذلك بالتعويل على ادعاء قدراته على قضاء الحوائج أو منعها، لأنه القادر- بما لا يقدر- على الضير والنفع، فهو من يحيي ويميت، يمنح ويمنع، المنزه الذي لا يزل، والأنوف الذي لا يهان، ولكنه في حقيقة أمره لا يعلو على كونه مجرد رويبضة ضعيف الحجة والمنطق، لا شأن، ولا معرفة، ولا علم، ولا تجربة له، نقم الله عليه لطغيانه فأحاطه ببطانة السوء الفاسدة لتزخرف له طريق الشر، وتكفَّأَ له الحقائق، فتجسدها وتغالي في تجسيدها، حتى تقنعها بصدق ترهاتها الباطلة، لتحولها إلى طاغية أسطورية تصور لنفسها وغيرها إنها سد منيع لا يقهر.
وتجنح الشخصية الطاغوتية البارانوية المخادعة، التي عادة ما نجدها تسعى الى تصدر المشهد على مر العصور والأزمنة كأسطورة من أساطير الميثولوجيا الخارقة للطبيعة، للنزعة الدِيماغوجِيّة، التي تقصى عن الميل للنمط الثبوتي المدعم بالبراهين والحقائق الموجبة للتفكير والتعليل وإيقاظ الحذر بالأذهان، وتتخذ المسلك “اللوسيفري” الشيطاني المراوغ المحفوف بالحيل والألاعيب طريقاً بديلا عنه، بقيامها بالضرب على وتر مخاوف المحيطين بها ومشاعرهم وتحيزاتهم الأيديولوجية، وتراجع وعيهم، ومحدودية ثقافتهم، وعجزهم عن التقييم المنطقي؛ فضلاً عن خداعهم وتضليلهم بواسطة ديباجات سفسطائية، ترتكز على شتى ضروب الكلام المعسول من الخطابات، والمناورات، والوعود، والحقائق المقلوبة، والأفكار المغلوطة؛ بالإضافة إلى سلوكها لأدنى درجات الاعوجاج لنيل المقاصد، بداية من الولاء المرحلي المداهن لأصحاب النفوذ، والمراوغة في استخدام التعبيرات ذات المعاني الدلالية المطاطة، والتنصل من تبعات الأقوال والأفعال، وعدم الاعتراف بالأخطاء؛ ومروراً بانعدام الذمة والضمير والشعور بالذنب، وتسويغ الأفعال المشينة للنفس وللغير؛ ونهاية بتشويه الخصوم بنزع صفات الاحترام والإجلال عنهم، وإلصاق أحط التهم والنقائص التي تُنزل من قدورهم إلى محلات الريبة والشك، لإخلاء الطريق من المنافسين، تمهيداً للاكتساح الجمعي لبلوغ أعلى درجات القوة والتميز، ليستيقظ الجميع بعد فوات الأوان على فاجعة مولد الوحش مغرم الذات، في كامل صورته السلوكية، والذهنية، والمورفولوجية “الشكلية والبنيوية” الشائكة بالغة التعقيد.
ويعد كل من النمرود بن كوش بن حام بن نوح، ملك شنعار؛ وفرعون موسى، ملك مصر، مثالين على كل من طغى وتجبر وآثر وآمن بشيطانه في الأرض، وادعى الربوبية وتحدى الله سبحانه وتعالى، فكان عاقبة الأول بعوضة دخلت في منخره واستقرت به، فبات يضرب رأسه بالمرازب حتى أتاها الإذن من الله بإهلاكه؛ أما الثاني فأطبق عليه البحر هو وجنوده ليغرقوا في لجه، ليكون بذلك الاثنان هما ومن تبعهما، عبرة لمن يعتبر ولا يعتبر. أي أن الكفر بالطواغيت، ممن يحركهم الجهل والغرور والكبر واجبة، وذلك لتجنيب الكون شرورهم، تفاديا لاستنساخهم في أشكال أخرى، عملاً بأمر الله في قوله سبحانه وتعالى: (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).

كاتبة مصرية
Naglaa_Yasseen@hotmail.com

You might also like