ضد التصور الأسطوري للفهلوة
د.نجلاء يس
الفهلوتية، صناع المعجزات الوهمية، الكاذبون بصدق، أصحاب فن المراوغة، واللعب على الحبال، ذوو القدرات الخارقة على التعاطي مع شتى أنواع المتغيرات السياسية والوظيفية، يتخذون من المسلك الوصولي الانتهازي، وخطاب السفسطة والعبثية معبرا لتصدر المشهد، ولتحقيق الأهداف دون الالتزام بأي عهود أو مواثيق، فالفهلوي كما يقول الشاعر”يعطيك من َطَرِف الِّلساِن حلاوة… وَيروُغ منَك كما يروُغ الثعلب”.
ورغم محاولات “الفهلوتية” تجميل لقب”الفهلوي” بمبدأ “أنا لا أكذب، لكني أتجمل”، معولين في ذلك على الأصل اللغوي للمصطلح والمشتق من اللغة الفارسية القديمة (الفَهلَوِيّة أو البهلوية)، للدلالة على عمق خبرة، ومعرفة، ومهارة المتحدث بها دون غيره، إلا أنه سيظل أبد الدهر، وفي كل العصور موروثا ثقافيا يرمز للمحتال،المليء بالمتناقضات، حيث يعد بمثابة الجرثومة الأخلاقية التي تنخر عضد المجتمع لتمزق بنيته، وتطمس هويته، بمساعدتها لطنين النحل هؤلاء، بالوصول والتربع على قمة عرش الوجاهة الاجتماعية، والأكاديمية، والسياسية، والإعلامية، والاقتصادية، دافعة بالمثقفين، والعلماء الحقيقيين إلى أسفله. يرفع أصحاب هذا النمط السلوكي الذي تفشى في مجتمعاتنا في ظل حالة الفوضى التي تحيط بنا، شعار”اللعب بالبيضة والحجر”، أو القدرة على اللهو بمهارة فائقة بأكثر الأشياء هشاشة، جنباً إلى جنب مع أشدها قسوة، بالمحافظة على شعرة معاوية التي تحول دون اصطدامهما، وهو تعبير دارج مستقى من قصة صبي محتال تجاوز الخطوط الفاصلة بين الخطأ والصواب من أجل تحقيق المكاسب الشخصية، بنحته لخمس بيضات من الحجر لاستخدامها للفوز بنجاح في مسابقة لرمي البيض، بعد خداع أقرانه بصلابة بيضاته التي لا تكسر رغم زيف حقيقتها لكن رغم حيطته إلا أن امره كشف ما أدى لنهاية أسطورته.
يعري الفيلم المصري “البيضة والحجر”، مفهوم الفهلوة، من خلال مدرس فلسفة تكشفت له حقيقة المجتمع الزائف الذي يعيش فيه، بعد أن سقطت عنه ورقة التوت التي كانت تغطي فساده، حيث ساقته أقداره للسكن في غرفة مشعوذ، يخشى الجميع من أذاه ورغم ذلك، وكعادة البشر، يلجأون إليه لحل مشكلاتهم، فيحاول الرجل صادقاً تنبيههم إلى الوهم الذي أحاطهم به هذا الدجال، ليقوم الجميع بمحاربته، عملاً بقول أفلاطون:”إذا أمطرت السماء حرية، فستجد العبيد يحملون المظلات”. بعدها يجد نفسه بين خيارين أحلاهما مر، إما الانسياق مع القطيع، أو الدهس تحت أقدامه، ليختار السير معه، بل والتفوق عليه وقيادته، متخذاً من شعارات الإصلاح والصلاح، والبريق المغشوش، واللسان المعسول، وحاجة الناس وخوفهم، أداة للمراوغة يقفز بها فوق درجات السلم المجتمعي بسرعة الصاروخ، بعد أن كان يقبع بأسفله، حتى يجد نفسه مطالباً بإشباع خواء أسياده للمزيد من السلطة، فيعجز، فتكون نهايته. هنا نتذكر قول بن دريد في مقصورته”لا تعجبن من هالك كيف هوى، بل فأعجبن من سالم كيف نجا”. ونوجه في الخاتمة حديثنا لكل “فهلوي”، لنقول له “إذا استطعت خداع بعض الناس كل الوقت، أو كل الناس بعض الوقت، فمن المستحيل لك خداع كل الناس كل الوقت”، فلابد لكل بداية من نهاية.
كاتبة مصرية
Naglaa_Yasseen@hotmail.com