غلاسكو ومشكلة المناخ
د. لويس حبيقة
قمة الأمم المتحدة بشأن المناخ في غلاسكو البريطانية كانت في غاية الأهمية بسبب الضرر الذي يسببه الاحترار المناخي للانسان والكائنات الحية.
المشكلة كبيرة وتنتقل من دولة الى أخرى، وهناك دور كبير للمؤسسات الأممية كالبنك الدولي في تحديد عمق المشكلة وامتدادها كما في تأمين الأموال الكافية لتصحيح الخلل البيئي. واذا لم يفعل العالم شيئا سيخسر سنويا 5% من الناتج العالمي، أي نعود مع الوقت الى الفقر العميق.
سيفرض التغير المناخي على نحو مليار شخص النزوح من أماكن عيشهم من اليوم وحتى سنة 2050، كما يحدث التغيير المناخي أزمات، ربما عسكرية، بين الدول بسبب المياه والطاقة، وندرة كافة السلع والخدمات وبخاصة المواد الأولية.
لا شك أن البطالة والدخل يتأثران جدا، وبالتالي ترتفع مؤشرات الفقر بسبب التلوث، وهناك فرصة اليوم لتغيير الطاقات المستعملة والتوجه أكثر الى النظيفة لأن أسعارها تدنت مع التطور التكنولوجي الكبير.
لا شك أن هذا التغير مشكلة علمية وعملية تضرب كل السياسات العامة، وتصيب الانسان في حياته اليومية، كما له تأثيرات كبرى سلبية على الأسواق والكميات المنتجة والمستهلكة وأسعارها، وهو ما يفرض تغيير نمط الحياة للحفاظ على الثروات الطبيعية وتنظيم الاستهلاك، وهناك ضرورة لتتأقلم العلوم الاقتصادية مع مستجدات المناخية.
الانتقال من استهلاك الطاقة الملوثة الى النظيفة أهم من تخفيف استهلاك الطاقة الملوثة التقليدية، كالفحم. ومن الضروري اليوم قبل الغد ادخال التغير المناخي في الدراسات الاقتصادية، ليس فقط فهما للحاضر، انما تحضيرا لمستقبل نظيف يمكن أن تعيش معه كل الأجيال.
لا شك أن الاقتصاد العالمي تطور كثيرا في العقود الماضية، وتشير الاحصاءات الى أن الناتج المحلي الاجمالي العالمي كبر 15 مرة منذ سنة 1950 حتى سنة 2019 أي قبل “كورونا”، ولا بد أن يعود الى النمو بعد السيطرة الكلية على المشكلات الصحية.
لقد تدنى عدد الحيوانات بمختلف أنواعها 68% منذ سنة 1970 وحتى 2016 بسبب التغير المناخي والحرائق المؤلمة التي حصلت في كل مكان، وهناك وقائع يجب أن تعالج كي يخفف العالم الخسائر الطبيعية، وبالتالي قمة غلاسكو هي في غاية الأهمية:
أولا: أهملت العلوم الاقتصادية الثروة الحياتية والبيئية وتم التركيز على النمو والناتج حتى لو أحرق الأرض وضرب التربة والصحة ولوث الهواء والماء. النمو المادي من دون حدود مضر للطبيعة وللانسان. يجب أن تعدل العلوم الاقتصادية مقياس النجاح والتفوق في الحياة أي أن زيادة الناتج ليست دائما مثالية خاصة عندما تضر بالطبيعة، وهناك ضرورة لتوجيه المجتمعات نحو المعايير الفاضلة التي تؤسس لاحترام البيئة.
ثانيا: المهم جدا أن لا يتعدى طلب المجتمعات من الطبيعة ما يمكنها أن تعرض علينا دون أن تدمر نفسها. هذا يعني أن استعمال الانسان للثروات الطبيعية يجب أن يكون ضمن حدود واضحة تمنع الضرر الطويل الأمد. وهناك أهمية استثنائية للسياسات المالية التي توجه الانفاق نحو الحاجات الأساسية، اذ لا مانع مثلا أيضا من وضع ضريبة على التلوث ضمن سياسات وقواعد واجراءات مناسبة لكل مجتمع.
ثالثا: تفرض المسؤولية علينا كمجتمعات أن نطور الطبيعة، اذ لا يكفي أن نعالج الخسائر ونحمي الموجود، بل علينا تطوير التربة وتنظيف المناخ، ويجب الوصول الى أوضاع لا نضيف خلالها الى التلوث القائم أو ما يعرف بتلوث اضافي “صفر القيمة”. الاستثمارات في الطبيعة مهمة جدا بحيث تخلق فرص عمل وتسمح للمؤسسات بالاستثمار في التجدد والابتكار، أي ادخال العلوم الرقمية والذكاء الاصطناعي وغيرها الى كافة القطاعات.
رابعا: القطاع الخاص كما العام ليس مهيأ لتقييم الخلل البيئي، وهو ليس جاهزا، تقنيا وماديا وبشريا، لمعالجة الخسائر الطبيعية. وزارات البيئة حديثة نسبيا والأموال المتوافرة لها هي عموما قليلة مقارنة بالحاجات الأخرى كالأمن والدفاع والبنية التحتية وغيرها. لا اصلاح بيئي من دون أموال تتناسب مع الأهداف الكبيرة التي يجب الوصول اليها.
هناك أمل كبير بأن ما تحقق في غلاسكو يفوق بأهميته ما اتفق عليه في مؤتمرات السابقة.
المخاطر البيئية على حياة الانسان جدية كما أن الحرارة ترتفع والفيضانات تغزو المناطق والحرائق تأكل الغابات وتجعل مساحات واسعة من الأرض غير قابلة للعيش. لذا القرارات التي اتخذت في غلاسكو في غاية الأهمية للعالم وللمستقبل شرط تطبيق كل التوصيات.
$ خبير اقتصادي لبناني