فاضل خلف علمني التواضع

0 68

حسن علي كرم

امس كان يوماً حزيناً لي وصادماً، فالخبر كان كالصاعقة هبط على قلبي، فان يغادر انسان كان حتى اخر لحظة من صراعه مع الحياة، لا يسقط القلم من يده (قبل مرضه واعتزاله الحياة)، فان هذا الانسان لم يخلق لنفسه، انما خلقه الله حتى يقدم شيئاً لمجتمعه وللانسانية.
الادباء والمفكرون لا تشغلهم همومهم الخاصة، بقدر ما تراهم مهمومين بالحياة والمجتمع الانساني.
في المقابل هناك اناس اقرب لا تجد منهم غير الهبش والاستحواذ، ولا يهم لديه ان كان ذلك حصل عن طريق الحق والصواب، أو النصب والحرام.
انني لا ادري كيف ينام هؤلاء قريري العين، فيما لا يتوانون عن الهبش و اكل الحرام وظلم الفقير، ربما هؤلاء يجهزهم الله وقوداً لجهنم، اذا استمروا في التمادي بأكل السحت وظلم بني البشر من المسحوقين.
اعود الى موضوعنا، لقد عرفت فاضل خلف، بعد عودته الى البلاد من مهمته كملحق ثقافي في سفارة دولة الكويت في تونس، حيث قضى هناك نحو 18 عاماً، كان خلالها ليس ملحقاً ثقافياً يمثل الكويت، بل حمل الكويت في قلبه وعرف التونسيون بها، وتعرف الكويتيون الى تونس الخضراء.
هكذا مهمة الديبلوماسي، لكن بعض الديبلوماسيين تدفعهم غرائزهم المريضة، فلا تجدهم الا وقد اندفعوا لتحقيق ملذاتهم، وتركوا خدمة الوطن خلف ظهرهم.
هناك نماذج من الديبلوماسيين اقرب الى حرامية حيث يستغلون المهمة لتحقيق مآربهم الخاصة، فالحقيبة الديبلوماسية تأتي مشحونة بالممنوعات والمسموحات الى بيوتهم وتعود خالية.
قلت أنفاً عرفت الاستاذ فاضل بعد عودته من تونس، ورغم انني اتعرف عليه للمرة والاولى، لكنني في داخلي شعرت كما لو اعرفه منذ سنوات بعيدة، اذ رغم شهرته كأديب وصاحب منصب ديبلوماسي رفيع، لكنك تجد نفسك امام شخصية متواضعة وبسيطة.
كنت اذا دخل عليُ في المكتب في مجلة “اليقظة” افسح له المكتب حتى يجلس هو مكاني، الا انه كان يرفض ويصر الجلوس على طرف المكتب، فالتواضع لا يأتي بالاكتساب انما بالطبيعة، ولذلك مهما اظهر البعض التواضع لكن شتان بين الواقع والتصنع.
فاضل خلف لم يولد مثل غالبية الكويتيين في فمه ملعقة من الذهب، بل نشأ عصامياً، وأصر ان ينشئ نفسه بنفسه علماً وثقافة، فعمل كاتب في احد المكاتب التجارية وكان في ريعان شبابه، ثم التحق بمعهد المعلمين، وتخرج معلماً، ثم التحق بشركة نفط الكويت موظفاً فارسل الى شركة نفط عبادان الايرانية للتدريب، وعاد من هناك موظفاً في شركة نفط الكويت.
ثم ارسل في بعثة الى انكلترا لتعلم اللغة الانكليزية وعاد متسلحاً بلغة كان يتهافت على تعلمها الجميع، لقد سمع بشكسبير لكنه قرأه بالعربية، ثم قرأه باللغة الام، وساهم باصدار مجلة “الكويت اليوم”، وهي المجلة الرسمية لدولة الكويت.
اما في تونس فقد اتيحت فرصة ليؤلف دواوين عن جمال وخضرة تونس، ويكون هناك صداقات وعلاقات مع ادباء ومثقفي وسياسيي تونس، وعندما زار الرئيس التونسي السابق السبسي كان يحمل في حقيبته درعاً خصيصاً لاهدائه لاديبنا الراحل تكريماً له من تونس.
ان الحديث عن الاديب والشاعر، والمربي والعصامي، والرجل البسيط لا يتسع لمقالة، لكن اضع القلم ليس خجلاً من فاضل ، انما احتراماً لشخصية رحل جسدا وستبقى اعماله وذكراه في قلوب كل محبيه واصدقائه، وكل من قرأ له، والذين آلمهم رحيله.
رحمك الله يا ابا محمد، وسوف تبقى علماً من اعلام الثقافة والفكر في الكويت، وفي محيطك الخليجي والعالم الاوسع، فلقد علمتني التواضع، وهو ما كنت ابحث عنه في داخلي.

صحافي كويتي
hasanalikaram@gmail.com

You might also like