فن إدارة الأزمات

0 456

محمد بغدادي

كيف تُدار الأزمات؟ سؤال يفرض نفسه على الساحة العالمية حاليا بعد أزمة” كورونا”، فالحكمة الصينية تقول إن الأزمة هي فرصة مقبلة على موجة خطيرة، لذلك الاستعداد لمواجهتها والتعرف على التعامل معها في ظل الظروف المختلفة أمر لا بد منه للخروج بأقل الخسائر الممكنة.
وهناك تساؤلات عدة تطرح نفسها منها: هل من الممكن إيجاد الفرص وسط الكوارث، هل من الممكن تحويل الأزمة فرصة، كيف يمكن التنبؤ بالأزمات، وكيف يمكن التعامل معها؟
الأزمات من أصعب التهديدات التي تؤثر سلبيا على أكبر المجتمعات اقتصادياً نظراً لما يترتب عليها من خسائر أياً كان نوعها، كما تعتبر إدارة الأزمات من القضايا المتطورة والمستمرة؛ نظراً لكثرة الأزمات التي تفرض نفسها على المنظمات الحكومية والخاصة وغير الحكومية.
فعملية التخطيط لمجابهة الكوارث ضرورة تفرضها معرفتنا بآثارها المدمرة على الصحة والمجتمع بكل مكوناته، ويمتد التخطيط لمجابهة الكوارث إلى ما قبل حدوث الكارثة اذ يمكن بالتخطيط الجيد تلافي بعض الأزمات والتقليل من أثارها، كما يشمل مرحلة ما بعد الأزمة حتى يمكن إعادة الوضع الى طبيعته، ويتطلب الإلمام بمواطن الخطورة المحتملة ومعرفة نوع الإصابات التي يتوقع مجابهتها، سواء كوارث خارجية أو داخلية.
إدارة الأزمات تعني الاستعداد لما قد لا يحدث والتعامل مع ما حدث، ولا يخفى على المتابع لسير الأحداث بخاصة السياسية منها ما للأزمات من دور في تاريخ الشعوب والمجتمعات، سواء على صعيد الهدم أو البناء، وقراءة متأنية لدور الأزمة بعامة يفضي بنا إلى تلمس خيط يقودنا إلى حقيقة ان المجتمعات التي اعتمدت قيادتها على فرق خاصة وكفؤة كانت أصلب عودا من قريناتها التي انتهجت أسلوبا مغايرا تمثل بالتصدي المرتجل والتعامل بطرق غير مدروسة سلفا مع بؤر الصراع، والتوتر ما أدى بالتالي إلى ضعفها وتفككها.
وتتعدد أسباب نشوء الأزمات، فلكل واحدة ملامحها وأسبابها الخاصة، ولعل دراسة وتحليل كل أزمة على حده يعتبر الوسيلة الفعالة لتحديد أسبابها المباشرة وغير المباشرة. بيد أن ذلك لا يمنع من محاولة إيجاد مقاربة عامة لأهم الأسباب المولدة لها، كما تعتبر الأزمة هي وجود الخطر الذي يهدد سير العمليات أو المؤسسات والذي يؤثر سلباً عليها وبخاصة إذا لم يتم التعامل معه بالشكل الصحيح.
وهناك أنواع مختلفة من الأزمات فمنها: الأزمات الخارجية وهي التي تنتج عن عوامل خارج المؤسسة مثل الكوارث الطبيعية، أو الأوبئة أو الحروب والمشكلات المجتمعية، أو الأزمات الاقتصادية العالمية أو الهجمات الإرهابية. أما الأزمات الداخلية تنشأ نتيجة عوامل تحدث في المؤسسة نفسها مثل تعرض أحد العمال لإصابة نتيجة لبيئة عمل غير صحية، أو حدوث مشكلة ما في التعامل مع أحد العملاء وانتشارها، أو تسرب بعض المعلومات والبيانات الخاصة بالمؤسسة.
أما الأزمات التكنولوجية فهي تلك المترتبة على الاستخدام الخاطئ للتكنولوجيا أو تلف الأجهزة، أو تعطل الأنظمة المتحكمة في العمليات.
ولكي تنجح إدارة الأزمات في التغلب على التهديدات يجب وضع تلك الاجراءات موضع التنفيذ: العمل على جعل التخطيط جزءاً في غاية الأهمية، كما يتم احتواء الأزمة عبر معرفة نتائجها وأسبابها، ثم التغلب عليها بالشكل الذي يؤدي إلى التقليل من أخطارها. مع ضرورة عقد البرامج التدريبية وورش العمل للموظفين في مجال إدارة الأزمات، والتقييم والمراجعة الدورية لخطط الإدارة، واختبارها تحت ظروف مشابهة، وبالتالي يتعلم الأفراد العمل تحت الضغوط، مع إيجاد وتطوير نظام إداري متخصص يمكّن الدولة من التعرف على المشكلات وتحليلها ووضع الحلول بالتنسيق مع الكفاءات المتخصصة.
يجب تبني التنبؤ الوقائي كمتطلب أساسي في عملية إدارة الأزمات من خلال إدارة سبّاقة وهي الإدارة المعتمدة على الفكر التنبؤي الإنذاري لتفادي حدوث أزمة مبكرًا عن طريق صياغة منظومة وقائية مقبولة تعتمد على المبادأة والابتكار وتدريب العاملين عليها.

باحث دكتوراه

You might also like