في أنْ يحضر الإنسان جميلاً (1من 2)

0 217

محمود كرم

أنْ تحضرَ جميلاً، ليس بعيداً في أنْ تكونُ هذه حقيقتكَ أيّها الإنسان، فمتى كنتَ قادراً على أنْ تملكها، كنتَ قادراً في الوقتِ نفسه على أنْ تملكَ ذاتك، فالإنسان في جوهرهِ الأخلاقيّ، باحثٌ دؤوب عن ذاته في كلّ ما يربطها بهذه الحقيقة، حقيقة أنّه أصبح يرى في المشترك الإنسانيّ، باعثاً على استنطاق وجودهِ، وفقاً لإرثهِ المعرفيّ الذي يتلخّص في كوْن الإنسان، يبقى مالكاً لذاته واختياره وقراره وحريّته، وامتلاك هذه الحقيقة يعني في الأصل، أنْ يمتلك الإنسان وعيه الذي يجعلهُ يصون ذاته من الانغلاق والتعصَّب والجهل والجمود والكراهية، تحقيقاً مدركاً لِفلسفة الرقيّ الإنسانيّ، ولذلك كان عليهِ أنْ يسعى دائماً إلى أنْ يعمل على إيجاد مشتركه الإنسانيّ مع الآخر، سعياً خلاّقاً لترسيخ قيم الجمال والحرية والحبّ والتسامح والإبداع والتعدَّد.
وفي حضوركَ جميلاً، تحضر إنساناً يعرفُ جيّداً كيف عليهِ أنْ يكون معرفيّاً في توافقه الخلاّق ما بين ذاته والحقيقة، إنّه التأسيس المنطقيّ لفكرة الإنسانيّة في حضورها الثريّ، حين تُعلي من شأن المعرفة طريقاً حرَّاً للحقيقة، وتهتمُّ بالحقيقة فتحاً ملهماً للمعرفة، وما تشعر به الذات وهيَ تسعى للحقيقة، مقدار ما تحملُ في أعطافها مِن فهمٍ، يضعها في صميم تجربتها المعرفيّة، ويدفعها تالياً للتوافق في ما بينها وبين الحقيقة، التوافق الذي يتصالح مع الحقيقة، كونها جمالاً في الطليق مِن الانفتاح الحرّ، وكونها ضوءاً في مسارب التفكير، وكونها ملاذاً حقيقياً للتفكّر والخيال والالهام والتّقصي، إنّها، أيّ الحقيقة في كلّ هذا المخاض الخلاّق، تحرَّر الذات مِن الترهل والجمود والتراجع والانغلاق والتعصَّب، وفي الوقت ذاته تبعث الإنسان جميلاً في حضوره الإنسانيّ، مِن حيث إنّه أصبح يجد في خلاصهِ المعرفيّ الحرّ، سبيلاً إلى فهم الآخر، انطلاقاً من الحقيقة في انفتاحها الطليق على التنوّع والحريّة والجمال والتفنّن.
وكم يجدر بكَ أيّها الإنسان أنْ تعرفَ كيف عليكَ أنْ تخرجَ من سجون جدرانكَ القامعة، ومن سقوفك المنخفضة ومن عتمة كهوفكَ، لكي تشعر أنّ السماء من فوقكَ شاهقةٌ جداً، تتّسع كثيراً لِشساعة التلوينات الفسيحة، ولكي تستطيع أنْ ترى الأشياء من حولك، وهيَ تزهو تفتّحاً وألقاً وبريقاً في جمال التنوّع والانفتاح والاختلاف والتحرَّر، ولكي تملك من إنسانيّتكَ جميل حضورك، الذي يبعثكَ حضوراً خلاّقاً في أجمل معاني التسامح والنبل والتهذيب، فمن لا يستطيع أنْ يخرج من آفاقهِ الضيّقة والمعتمة، يسرفُ كثيراً في حماية ما لديه من تعصَّبٍ وانغلاقٍ وتوحشٍ وتراجع، لأنّه يرى في الآخرين تهديداً لذاتهِ القابلة والقانعة بِالعقائد والثقافات السالبة لحريّته وفكرهِ واختياره وقراره وإرادته، بينما مَن يجيئون جمالاً وانفتاحاً وتحرراً، يكشفونَ عن براعة الحياة في تجلّيات الافاق المشرعة على الجمال والحريّة والحبّ، ويعرفونَ كيف عليهم أنْ يكونوا بشراً أخلاقيين، لأنّهم في كلّ ذلك يملكونَ أنْ يستخلصوا من وجودهم، جمال المعاني في الحياة الدافقة بالعطاء والحركة والإبداع والتجديد.
إنّنا عادةً ما نتوهّم، بأنّنا قد عثرنا على أجمل ما في ذواتنا، ونتغاضى في المقابل عما لدى الآخرِ من جمال الأخلاق والشعور، ولذلك أجد أنّ مَن يسعى إلى اكتشاف الافضل لديه، يكونُ في المقابل قد اكتشفَ الأجمل لدى غيره، ومن هنا أستطيع القول، أنّ أولئك الذينَ يتركونَ شيئاً من جمال مشاعرهم في أعماقنا، نعود نراهم دائماً في أجمل مشاعر الشّوق إليهم، إنّهم حين يتركونَ شيئاً من مشاعرهم في أعطافنا، يتركون معها أشياءً من أشواقهم، وأشياءً من الحبّ في قلوبهم ، لأنّهم يرون في حضورهم حضورنا، ولأنّهم في حضور الإنسان جميلاً، يحضرونَ جمالاً في مشاعرهِ وأخلاقهِ وحبّه وعاطفته، إنّهم يعرفونكَ من إنسانيّتك وليس من دِينك، ويعرفونكَ من أخلاقكَ وليس من مذهبك، ويعرفونكَ من نظافتكَ وليس من عقائدك، ولذلك عندما تعثر على الكثير من الجمال الذي فيك، ستجد أنّ أجمل الذي فيك، في الكثير عندهم، وهكذا أنتَ تحضر جميلاً في الجمال الذي فيهم، ويحضرون جمالاً في الجمال الذي فيك، ويحضر المشترك الإنسانيّ الذي بينكما، في أجمل تجلّياته الأخلاقيّة والشعوريّة والفلسفية والثقافيّة، لأنّه المشترك الذي يُعلي من قداسة الإنسان عقلاً وفكراً وأخلاقاً وشعوراً وحضوراً.

كاتب كويتي
Tloo1996@hotmail.com

You might also like