في رثاء فهد الفايز
فهد السلمان
رجلٌ تمتلئ بحضوره الذاكرة، وقف عند كل قبر، وعند كل سريرمريض، وجوار كل عريس.
هو في عداد الوجهاء، لكن الوجاهة لم تغلّفه في”بشته”، ولم تصطفيه للوجهاء دون غيرهم وهو في رأس قائمة الأعيان، لكن مكانته كعين “لم تكسر تواضعه”.
وهو في طليعة رجال الأعمال، لكنه كذلك في طليعة رجال الأفضال، وهو قبل هذا وذاك في صميم تلك العلاقات الانسانية الفاخرة التي تجعله حاضرا مع الجميع، كأنه لهم، وكأنهم له.
في المقابر سيكون من النادر ألّا يُسمع صوته الجهوري وهو يردد عبارات العزاء، أو يلقي السلام على الآخرين، أيّا كانت الجنازة، وأيّا كان اسم وصفة الفقيد.
وعلى أبواب أقسام التنويم في المستشفيات، لا أحد من حراس الأمن لا يعرف هذا الرجل الذي يوزع مواساته بسخاء على كل من يصل إلى مسامعه أنه يرقد هناك.
في قصور الأفراح، ومع ذاك الكم الهائل من الدعوات التي يدونها وفق ساعة وصولها إليه على روزنامة التقويم، حتى لا ينسى، وأنّا له أن ينسى، لابد وأن تجده هناك بجوار كل عريس.
تعجب، كيف يدير هذا الرجل وقته أمام هذه الشبكة الهائلة من العلاقات الاجتماعية ؟
كيف جعل لواجباته الاجتماعية إزاء أهله وناسه هذا المستوى من الحضور الذي يصل حدّ الالتزام ؟
لن أتحدث عن استقبالاته، وضيافاته، وولائمه لضيوف المنطقة، ذلك شأن تقتضيه ظروف وواجبات الوجاهة.
ولن أتحدث عن مسؤولياته، وجهوده في خدمة منطقته ومواطنيه، فذاك شأن تفرضه عليه مكانته، وقيمته الاجتماعية.
ولن أتحدث عن مبراته، وصدقاته، وحسناته، فذلك شأنٌ بينه وبين ربه، لكني حين أجده بالصدفة في فرح انسانٍ بسيط لا يكاد يعرف اسمه إلا أهله وذويه، هنا تتجلى الانسانية وحين أصادفه في جنازة سيدةٍ، وهو يواسي أيتامها، هنالك تبرز قيمة الروح النبيلة، والخلق الرفيع.
نعم، هذا هو الانسان الذي دُفِنَ جسده هذا اليوم، لكن لن تدفن ذكراه، ولن تدفن سجاياه، وخصاله، وسيرته الطيبة.
رحم الله فهد بن عبدالوهاب الفايز… فقد ترك شاغرًا من أطيب الذكر في قلوبنا، وشاغرًا من وشائج الصلات قلّ أن يملأه غيره.
أخيرا: إن كانت حائل كلها اليوم في مقابر الزبارة، فلا غرابة، فالفقيد رجلٌ يُعزّي فيه الجميع، ويأخذ فيه العزاء الجميع.
رحم الله “أبو عبدالرحمن”.
اللهم برّد تربته، ونوّر مرقده، وعطّر مشهده، وطيّب مضجعه، وآنس وحشته
وأكرم ضيافته، بالعفو والمغفرة.
يارب.
كاتب سعودي