قالوا عنه: مجنون

0 374

منى العازمي

أحدهم يعمل في إدارة ما، وقد أشيع عنه أنه مجنون، وإذا خُففت التهمة عنه قالوا معقّد، سألت ما جرمك يا هذا؟ أجاب: لا أعلم، وبعد البحث والتحري وجدت أن تهمته الجنون والتعقيد ما هي إلا ضريبة دفعها فقط لأنه كان يصبو إلى الدقة في العمل، لأنه كان واضحا في أهدافه التي تتلخص في خدمة الإدارة وتقديمها بصورة إيجابية.
سألت نفسي باستغراب: هل أصبح الشخص العملي الواضح في رأي المجتمع معقدا أو مجنونا؟ أجابني صوت سرى بي أجش وقال: نعم، فنحن في عصر السرعة ولا وقت لدينا للفحص والتمحيص أو ما تسمونه في شريعتكم دقة، عجلة العمل تدور والذكي من يسايرها، ومسايرتها تكون بالتغاضي عن الزلل وسرعة إنجاز أي عمل حتى لو كان مدججا بالأخطاء اللغوية والقانونية والاجتماعية أو أي خطأ يندرج تحت أي مجال.
سألته: إن كانت السرعة مبررا لولادة الخطأ، فماذا عن الوضوح الذي بات غير مقبول؟ أجاب بتهكم: ومن قال إن الوضوح قُبل يوما؟
إن الوضوح الذي هو نتاج حُسن النية ونزاهة صاحبه أصبح عبئا على من يمارسه، فبعض المسؤولين يعلم أنه مخطئ أو يدري بخطأ أحدهم ولكنه يحاول تناسي ذلك أو تجاهله ووجود شخص واضح يظهر له الخطأ يُعتبر مصدر أذى في المؤسسة وباب لو فُتح لا يمكنهم إغلاقه، ولا ذنب للواضح إلا أنه واضح وأشار لموطن الزلل كي يستقيم العمل، ولكن استقامة العمل تتعارض أحيانا مع مصلحة أحدهم ولا بد لكفة المصلحة أن ترجح حتى لو اعوج العمل والمصلحة العامة.
وهكذا تتضح الصورة جلية، فالخلل ليس في الشخص الواضح، فهو ليس مجنونا ولا معقدا، هو شخص غيور على عمله، عامل للمصلحة العامة، في وقت طغت فيه المصلحة الشخصية. وسرعة الإنجاز التي هي ستار يمرر تحته الزلل ويُهيأ تحته الجو المناسب للمصالح الشخصية كي تتنفس الصعداء ليست مبررا كافيا لممارسة الظلم واتهام الكفاءات بالجنون. هي همسة لاحتواء كل شخص واضح يدعو إلى الدقة، فهو لم يتعب نفسه في هذه السجالات إلا من أجل دافع واحد هو حب العمل والانتصار للمصلحة العامة.

كاتبة كويتية
mona.alazmii@hotmail.com

You might also like