قراءات قانونية من خطاب الرئيس التركي أمام البرلمان
ابراهيم محمد الكندري
استمع العالم إلى خطاب الرئيس التركي، أمام برلمان بلاده، والكل كان يترقب ويتوقع أن يقدم ويكشف عن دلائل وإثباتات تؤكد وقوع جريمة قتل الصحافي جمال خاشقجي داخل القنصلية السعودية بتركيا ومن هم مرتكبوها، إلا أن خطابه لم يأت بأي دليل أو إثبات، ولم يخرج عن كونه مجرد تكهنات وفرضيات حول الواقعة.
فأولا: لم يقدم أي دليل مادي على وقوع جريمة ما داخل القنصلية السعودية، وما عرضه وقاله مجرد فرضيات لا دليل عليها ولا إثبات.
والاتهام بمثل هذه الأمور يجب أن يقوم على جزم ويقين لا على مجرد حدس أو تخمين، ولا بد من دليل مادي معتبر يثبته ويؤكده وهذا لم يقدمه أو يعرضه الرئيس على البرلمان.
ثانيا: دعا الرئيس التركي السعودية إلى تسليم المتورطين إلى تركيا لمحاكمتهم، وهذا مناقض ومخالف للأعراف والاتفاقيات الدولية فإقرار وتأكيد الرئيس التركي رجب طيب اردوغان بوقوع الجريمة المزعومة داخل القنصلية السعودية يعني أن الجريمة وقعت داخل الأراضي السعودية، فمباني السفارات والقنصليات تعتبر اراض سعودية يطبق فيها القانون السعودي على ما يقع بداخلها من جرائم، وتختص المحاكم السعودية بنظرها والفصل فيها، وليس لتركيا أي شأن فيها، ولهذا نرى الرئيس التركي يناشد الملك سلمان بتسليمه المتهمين لمحاكمتهم في تركيا.
ثالثا: من الناحية القانونية البحتة فإن الحديث عن جريمة قتل لا تكون مقبولة إلا إذا وجدت جثة القتيل، أو ما يشير ويؤكد وقوع جريمة قتل، كآثار دم أو أجزاء من جسم المجني عليه، أو أن يكون هناك أعتراف صريح وحر باقتراف جريمة القتل، وإخفاء الجثة، وما سمعناه في خطاب الرئيس التركي لا يؤكد أن جريمة قتل قد تمت، فهي كما قلنا مجرد تكهنات وفرضيات، لا سند لها، خصوصا أنه تم تفتيش مبنى القنصلية السعودية ومقر إقامة القنصل في تركيا، ولم يجدوا أي دليل على وقع جريمة قتل فيهما وعليه، فإن الحديث عن جريمة قتل في الوقت الحالي، وفي ظل المعطيات الحالية لا محل له وغير مقبول عقلا ومنطقا وقانونا.
رابعا: جاء في الخطاب أنه تم إخفاء الأقراص المدمجة لكاميرات الرقابة والتصوير في القنصلية يوم الواقعة، والمعلوم للكافة أن هذه الأقراص هي مجرد شريط تسجل فيه ما تم حفظه وتخزينه في جهاز الهارد ديسك” أو “الهارد ووير” ذلك أن “الهارد ووير” أو “ديسك” هو الذي يحتفظ بالتسجيلات كافة لأستخراج ما تم تصويره بالكاميرات في يوم الواقعة وبعده، وكان بالإمكان الرجوع إليه وفحصه.
وهذا ما لم يقله الرئيس التركي، إذ لم يدع ولم يقرر بأن “الهارد ووير” مفقود أو غير موجود.
وعليه فإن عدم وجود أقراص مدمجة عن التصوير في يوم الواقعة لا يعني إخفاءه.
فطالما “الهارد ووير” أو “الهارد ووير” أو فقده إنما هو دليل يؤكد عدم وقوع أي جريمة بالقنصلية، ويؤكد حسن نواياها.
خامسا: لاحظت من خطاب الرئيس التركي أنه ذكر وجود متعاون محلي تسلم الجثة لإخفائها.
وهذا يعني ويؤكد الحقائق التالية:
1- أن جمال خاشقجي لم يتم تقطيع جثته كما أدعت أقلام وقنوات رديئة وأفواه مريضة.
2- هي محاولة من الرئيس التركي لإيجاد سبب لتختص المحاكم التركية بنظر القضية والحكم فيها، لكنه يبدو أنه تناسى أن عليه أولا إيجاد الجثة، وثانيا من هو المتعاون المحلي.
وثالثا: وأنه فوق هذا لن يكون للقضاء التركي أي اختصاص بنظر قضية القتل إلا في شأن إخفاء الجثة بعد إرتكاب جريمة القتل باعتبارها واقعة تمت خارج مبنى القنصلية على الأراضي التركية، فإن تم القبض على هذا المتعاون المحلي والعثور على الجثة فإن الاختصاص بنظر قضية القتل يظل قائما للقضاء السعودي.
أما بالنسبة لجريمة الإخفاء، فهي واقعة حصلت خارج مبنى القنصلية وعلى الأراضي التركية، ومن ثم يجوز للقضاء التركي نظرها والفصل فيها ما لم تسلم هذا المتعاون المحلي للقضاء السعودي لمحاكمة مع باقي المتهمين بجريمة القتل.
تلك هي تعليقاتي القانونية على النقاط التي أتذكرها من خطاب الرئيس التركي في البرلمان وهي في مجملها لا تخرج عن مجرد فرضيات وتكهنات لا سند لها ولا دليل عليها.
محام كويتي