قراءة ابن عامر الشامي (3من 3) القراءات العشر
قال الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم-: “إن هذا القرآن أُنزل على سبعة أحرف، كلها شافٍ كافٍ فاقرأوا كما عُلّمتم”، إلا أن الإمام ابن الجوزي أثبت ثلاث قراءات أخرى، وقد توافق معه أهلُ العلم فأصبح للقرآن عشر قراءات معروفة ومتواترة.
إعداد – رانيا مصباح:
حققت قراءة ابن عامر الشامي انتشارا واسعا في بلاد الشام، واخذ عن قراءته راويان، هما هشام بن عمار وابن ذكوان وكان كلاهما عالمين جليلين ذاع صيتها في بلاد الشام وأخذا التلاوة في دمشق من بعد الإمام أيوب بن تميم، مقرئ دمشق.
قبول واستحسان
ذاعت رواية هشام بن عمار “الرواي الأول” عن قراءة ابن عامر الشامي عند أهل الشام حيث تلقوها باستحسان ما جعل لها القبول والانتشار، خصوصا أن الامام هشام بن عمار لم يكن علامة مقرئا فقط، بل كان راويا للأحاديث وموثوقا به في روايته، عظيم القدر خطيب ومقرئ ومحدث ذو صيت بعيد، لم يضاهيه في عصره أحد في حكمته وصواب رأيه، مما أهله لأن يكون شيخ ومفتي أهل دمشق، وقد حدث وروى عنه من أصحاب كتب الأحاديث، الترمذي والنسائي وأبو داود، والبخاري، وابن ماجه.
رزقه الله بطول العمر، فوهب حياته لخدمة وتعليم القرآن والحديث وسنة الرسول عليه الصلاة والسلام حتى توفي في عام 245 هجريا.
ثاني الرواة عن ابن عامر هو عبدالله بن أحمد بن بشير بن ذكوان القُرَشي الدمشقي، شيخ الإقراء بالشام، وتلميذ الإمام ابن عامر الذي كان يقدره ويجله ويفضله لكبر سنه وعلو قدره، وكنيته أبو عبد الرحمن القرشي المدني، ويلقب بأبي الزناد، ولد يوم عاشوراء سنة 173هـ، وأصبح فيما بعد إمام المسجد الجامع الأموي بدمشق، لأنه كان أبرز وأشهر علماء عصره، فلم يكن فيهم من هو أعلم منه بالقراءة، كما ذكر عنه أنه يعد من ضمن علماء القراءات وعلماء الطبقة السادسة من حفاظ القرآن، كما لم يكن فقط عالما مميزا في القراءات، بل كان أيضا من أئمة الحديث ورواته، حيث روى عنه الأحاديث أبو داود، وابن ماجه في سننهما.
قيل أن ابن ذكوان كان أقرأ من هشام بن عمار ويتفوق عليه بكثير، وإن كان هشام أوسع علما ًمنه علاوة على كونه خطيبا.
وقد انتشرت رواية ابن ذكوان بالعراق الحجاز والشام ومصر وخراسان، إلا أنها لم تعد موجودة ومنتشرة في عصرنا الحالي،وقد ألَّف عدة كتب ومصنفات مفيدة في علوم القرآن منها كتاب: (أقسام القرآن وجوابها)، و(ما يجب على قارئ القرآن عند حركة لسانه).
تابعي جليل
اشتهر ابن ذكوان بالقراءة، والاقراء فكان المقرئ الراوي الصدوق الثقة الضابط، جمع بين الإمامة بالجامع الأموي بدمشق ومشيخة الإقراء. تتلمذ على يده قراء كثر و قصده الناس من المشرق والمغرب، وكان أشهر تلامذته هارون بن موسى الأخفش، ومحمد بن موسى الصوري، ومحمد بن إسماعيل الترمذي، وأحمد بن يوسف التغلبي، وأحمد بن محمد بن مامويه، وأبو زُرعة الدِّمشقي، وأحمد بن المعلى، وعبد الله بن مخلد الرازي، ومحمد بن القاسم الإسكندراني، وابنه أحمد بن عبدالله.
انفرادات
كان للإمام ابن ذكوان انفرادات في القراءة اختص بها، حيث كان يقرأ بالتكبير والبسملة بين كل سورتين، وفي همزتي القطع المجتمعتين في كلمة واحدة، قرأ ابن ذكوان بتحقيق الهمزتين معا الأولى والثانية في مثل قوله تعالى ( ءَأَنذَرتَهُم، أَءِنَّكَ، أَؤُنَبِّئُكُم ). وفي الاستفهام المتكرر قرأ ابن ذكوان بالاقرار في الموضع الأول والاستفهام في الثاني مثل قوله تعالى (أَءِذَا كُنَّا تُرَابًا أَءِنَّا لَفِي خَلق جَدِيدٍ ) قرأها (إِذَا كُنَّا تُرَابًا أَءِنَّا لَفِي خَلق جَدِيدٍ). كما انفرد في سورة النمل في الآية 67 ( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَءِذَا كُنَّا تُرَابا وَءَابَآؤُنَآ أَئِنَّا لَمُخرَجُونَ قرأ بزيادة نون مكان الهمزة الثانية فقرأها ( قَالَ للَّذِينَ كَفَرُواْ أَءِذَا كُنَّا تُرَابا?ا وَءَابَاؤُنَا إِنَّنَا لَمُخرَجُونَ).
وفي ذال (إذ) قرأها بالاظهارعند جميع الحروف عدا الدال في قوله تعالى ( إِذ دَّخَلُواْ) فقرأها بالادغام.
من خصائص قراءته أيضا أنه أدغم تاء التأنيث في حروف (الثاء والظاء والصاد ) وأظهرها عند حروف (السين والجيم والزاي) في مثل قوله تعالى (كَذَّبَت ثَّمُودُ) و(حُرِّمَت ظُّهُورُهَا) و(حَصِرَت صُّدُورُهُم) و(لَّهُدِّمَت صَّوَامِعُ ) و(أَنبَتَت سَّبعَ)، وأدغم ابن ذكوان دال (قد) في أربعة حروف هـي(الـذال والـضاد والظـاء والزاي) الا في موضع واحد في قوله تعالى (وَلَقَدْ زَيَّنَّا) فكان له الادغام والاظهار.
وفاته
توفي أستاذ القراءات شيخ الإقراء بالشام، وأتقن الرواة عن الإمام ابن عامر الشامي، وإمام الجامع الأموي الامام ابن ذكوان بدمشق في شهر شوال سنة (242هـ)، وبعد وفاته اجتمع أهل دمشق على قراءة هشام بن عمار.