قصة إفلاس ” كويت المحيط الهادي” مختصر مفيد
أحمد الدواس
هناك جزيرة تقع شمال شرق أستراليا، أسمها ناورو، ومساحتها صغيرة تبلغ نصف مساحة البحرين، وقبل خمسين عاما اكتشف فيها الفوسفات الذي يستخدم في صناعة الأسمدة، فزادت مواردها المالية، وأخذ سكانها يستهلكون الماء والكهرباء والخدمات الصحية التي أصبحت بالمجان، وينفقون ببذخ، لدرجة أن الواحد منهم كان يتخلّى عن سيارته على قارعة الطريق إذا تعطلت، ليطلب موديلاً جديداً، كما كانوا ينظمون الحفلات ويقضون أيامهم في استرخاء تام.
من الأمثلة على كسل السكان وبطرهم، أو إنفاقهم الهائل، ما حدث في حفل ميلاد أحدى السيدات، إذ حمل الضيوف معهم أسرتهم، وفساتين وبدلات، وأحضر آخرون نحو 50 وسادة، فيما أصبح لكل بيت سيارات عدة، وأجهزة تكييف وتلفزيونات لا تتوقف عن التشغيل أبداً، وبينما كانت كل الدراسات تؤكد النضوب التدريجي للفوسفات، كان سكان الجزيرة يتجاهلون هذه الحقيقة.
في عام 1971 كان معدل دخل الفرد في ناورو أكبر بثلاثة أضعاف من نظيره في أميركا، لكن هذا الوضع الداخلي لم يستمر، إذ استيقظت ناورو في نهاية تسعينيات القرن الماضي على وقع خبر نضوب مناجم الفوسفات، ويتحسر السكان اليوم على واقعهم وعلى اعتمادهم على الفوسفات.
لقد أفلست الدولة وافتقر أهلها، وأصبحت غير قادرة على سداد ديونها، فشرعت في بيع ممتلكاتها، ومن بينها طائرتها مصدر فخرها، ومارست البلاد منذ بداية سنة 2000 تجارة غيرمشروعة، مثل بيع جوازات السفر، وغسل الأموال، واقترحت الجارة أستراليا على ناورو استقبال اللاجئين الذين ترفض استراليا دخولهم الى أراضيها مقابل منحها المال.
عاد سكان الجزيرة إلى حياتهم السابقة يصطادون السمك من دون أن ينسوا هذه المرحلة الذهبية من تاريخهم.
والسؤال: هل تتعرض الكويت لمثل هذا الوضع؟ حكومتنا تستميت بإنفاق أموال الدولة على الدول الأخرى ثم تتباكى بأنها تعاني من عجز ميزانية.
يا حكومة استثمري عوائد النفط لمصلحة البلد وأهله، فهو مصدر ناضب، قد لا تكون الكويت بلداً صناعياً، لكن لتعمل الحكومة على تشجيع الشباب لإقامة المشاريع الصغيرة التي تخلق وظائف للعمالة الوطنية.
ثروة الكويت ليست النفط فقط، بل في شبابها وفي تنويع مصادر الدخل، فالحرف والمهن هي من حقق لكوريا الجنوبية ماوصلت إليه، فتلك البلاد كانت محطمة بعد الحرب العالمية الثانية عندما انتهى الاحتلال الياباني لها، وكان سكانها فقراء، ونظراً لحاجة الناس فيها إلى الضروريات في ذلك الوقت قامت الحكومة بتأسيس صناعات صغيرة حرفية لإشباع هذا الطلب، ولما فاض الإنتاج تم التصدير للدول المجاورة وتدفق عليها المال، وبمرور الزمن حققت البلاد نمواً اقتصادياً كبيراً، وأصبحت ضمن الدول الاقتصادية الكبرى.
يا حكومة نحن فقراء بالمعنى الاقتصادي، فليس لدينا نهر ولا زراعة، والنفط سينضب يوما ما.
صحيح ان أسعاره ارتفعت في الأشهرالماضية، لكن كانت هناك أسباب مثل تحديد دول الـ”اوبيك” مستوى الإنتاج، وغزو روسيا لأوكرانيا، وانتعاش السياحة بعد تضاءل انتشار وباء “كورونا” في العالم، لكن فيما بعد سيشهد انتكاسة قوية، وذلك عند استعمال العالم السيارة الكهربائية، وانحسار الطلب على النفط فتـنخفض أسعاره، وتتقلص معه الإيرادات العامة.
ياحكومة، الكويت غير مسؤولة عن حل أزمات الدول، العربية والآسيوية والأفريقية، فهذه الدول أغنى من الكويت بما لديها من أنهار وزراعة وسياحة تمد الإنسان فيها بالطعام منذ بدء الخليقة، فيما الكويت أرضها جدباء، فلماذا تستميت الكويت في مساعدة الغير، وتترك إصلاح الوضع الداخلي؟
لقد خلقتِ أعداء لك ياحكومة، فالشعب مستاء للغاية من أدائك، والأقربون أولى بالمعروف، فهناك كثير من المواطنين يعانون ضائقة معيشية، أو ينتظرون الوظيفة، بينما تُبدد مليارات الدنانير من الأموال على الخارج، فلم تترك الحكومة بلدا إلا وأهدرت أموال البلاد عليه، فهل يصبح حالنا كمصير ناورو؟
سفير كويتي سابق
aldawas.ahkwt@yahoo.com