كل أمراض وطننا بسبب مجلس الأمة (2 من 3) رؤى كويتية
باسل الجاسر
في هذه الحلقة نستكمل ما بدأناه امس، ونقول: على اثر ذلك التعليق جاءت للكويت اول خطة تنموية فعلية منذ مجلس الانشاء الذي خرج من المشهد بالعام 63، ورغم ان الخطة كانت مطلبا دستوريا مفروضا على الحكومة تضمينها في برنامج عملها الذي تقدمه للمجلس بعد كل انتخابات، وعلى ضوء ما ينفذ منه يتم تقيم أداء الحكومة ايجاباً او سلباً، ومحاسبتها، وهذه الخطة (خطة 86) التنموية كانت من ثمارها محطات توليد كهرباء وإنتاج مياه، ومستشفيات “العدان” و”الاميري” و”الجهراء” و”الفروانية”، و”مبارك الكبير، التي لم نر بعدها اي تطور فعلي منظم، الا من خلال خطة سمو الشيخ ناصر المحمد التنموية في العام 2010، والتي أوقف ميزانيتها مجلس 2012 المبطل، وخرج النواب مفتخرين رافعين رايات الانتصار، معلنين وقف ميزانية الخطة التنموية دون وضع بديل، أي ان الكويت لم تنتعش وتلتقط أنفاسها الا خلال فترات تعليق مجلس الامة.
استمرارية مجالس الامة بعد التحرير، ولغاية اليوم، جعلت الكويت مأزومة في اغلب الأحيان، متوترة ومنشغلة في معارك عبثية عما يفيد الوطن والشعب، أي انشغلنا بالحديث عن الحنطة دون طحنها واكلها والاستفادة منها!
في المقابل دب الفساد في معظم مفاصل وزارات الدولة باشراف ورعاية نيابية، حتى رأينا نوابا يتعاركون مع الحكومة عبر ادواتهم الدستورية، ويستخدمونها بكل قوة لتقاسم التعينات والمناقصات، بل وتحقيق مصالح بعض الفاسدين خارج المجلس الذين باتوا يتحكمون بقرار الدولة، من خلال بعض مناديبهم في مجلس الامة، ورأينا حرامي الأشهر يتمتع بحماية نيابية أدت لخلع ثلاثة او اربع وزراء مالية أرادوا خلع الحرامي، حتى وصلنا لمرحلة من الفساد لا نظير لها في العالم، وها هي شوارعنا ترجمنا بحصى الفساد منذ 2013.
الغريب العجيب ان لغاية اليوم لم تتحرك أدوات الرقابة او المساءلة البرلمانية لإجبار الحكومة على معالجة هذا الخلل الجسيم، بل على العكس تماماً عندما تحركت الحكومة من خلال الوزيرة السابقة جنان بوشهري لمحاسبة ومعاقبة الشركات المنفذة لصيانة الشوارع المتضررة تصدى لها نواب المعارضة وعزلوها، وشكلوا لجنة تحقيق تدخلت تنفيذياً وبمخالفة للدستور والغت جميع العقوبات التي فرضتها الوزيرة على هذه الشركات، وردوا لها كذلك اموالها المحجوزة بالكامل، واعادوها للعمل في شوارع فاسدة؟
ولإثبات ان مجالس الامة المتعاقبة هي سبب تعطيل وتنمية البلد بعد ان اثبت دورها في نشر الفساد وحماية الفاسدين سأذكر بعض الأمثلة من حقب زمنية متباعدة:
1- مشروع حقول الشمال: أوقف مجلس 1992 هذا مشروع بعد ان وصلت الحكومة الى منتهاه، وذلك من خلال التهديد بالاستجواب، وقتل الحكومة سياسياً التي رضخت، فضاعت الاف الفرص الوظيفية على أبناء الكويت، وحرم الوطن لثلاثين عاما من انتاج هذه الحقول، وضياع فرصة تنمية القطاع النفطي، واكتساب التقنيات الحديثة في الإنتاج والحفر من الشركات العالمية الكبرى رائدة في هذا المضمار، وكان اكبر المستفيدين هو العراق، اذ تحققت امنية الطاغية المقبور الذي سبب غزوه لنا لكون الكويت تستغل الميل في السحب من هذه الحقول اكثر من العراق؟
2- مشروع “الداو”: ان عقد مع شركة الـ”داوكيميكال” المتخصصة في إنتاج المشتقات النفطية التي تعاقدت معها الحكومة من خلال وزيرها للنفط المنتمي لحركة “حدس” وفريقه الذي وضع على الجانب الكويتي شروطا جزائية خطيرة ما انزل الله بها من سلطان، وتم ابرام العقد بشكله المجحف، حتى تصدت حركة “حشد” للمشروع، ليس قبل توقيع عقده، انما بعد التوقيع، فأقامت الدنيا ولم تقعدها، الا بعد انسحاب الحكومة من العقد، فخسرت الكويت مئات الملايين من الدنانير تنفيذاً للشرط الجزائي.
ناهيك عن فرصة انشاء مصانع لإنتاج المشتقات النفطية التي بعضها يفوق سعره سعر النفط الخام، وضاعت ايضاً فرص وظيفية لابنائنا، والاستفادة من اكتساب خبرات مازلنا نفتقدها الى يومنا هذا.
3- خطة التنمية 2010: لقد أوقف مجلس الامة ميزانية هذه الخطة التي من ثمراتها ما نشاهده الان، جسور الجهراء والمستشفيات الجديدة “الشيخ جابر”، و”الاميري”، و”العدان”، و”الفروانية”، و”الجهراء” وغيرها، ومحطات انتاج الوقود البيئي، وتوسيع محطات انتاج الكهرباء والماء لتلبية الحاجة الماسة لهما، آنذاك، ومباني كثيرة للبلدية، والعدل، والتربية، والتعليم التطبيقي، وجامعة الشدادية، وجسر جابر، وميناء مبارك الكبير، والعشرات من المشاريع غيرها التي يصعب حصرها في هذا المقام كل هذه المشاريع جاءتنا من خطة تنموية عمرها اربع سنوات واوقف العمل بها مجلس الامة خلال اقل من سنتين من عمر الخطة.
(… يتبع)
كاتب كويتي